على أتم نصي، وقد سلك في نزاله الطريق المنطقي الذي يستعصم بالحجة والبرهان، ويمهد للنتائج بمقدمات مقبولة، فهو أولا يفصح عن معنى الرأسمالية وبين جنايتها على الشرق الإسلامي في شتى حواضره، وقد أحال إليها ما يفشو لدى السواد الأعظم من تأخر وانحطاط، وما يقع على الكواهل الكادحة من عنت وإرهاق، وكانت في نظره المنبع الأول الذي تفجرت منه روافد الجهل والفقر والمرض، ولم يفته بعد أن أوضح اعتداءها المادي الصارخ، أن يلفت النظر إلى أضرارها المعنوية العريقة، وقد اختار لها أبو بارزة في كتابه فتحدث عن الشلل العقلي الذي يطمس إفهام المعوزين فيدورون وراء سادتهم كالآلة في الصنع، ولا يناقشونهم الرأي أو يقاسمونهم الربح، كما يهبط بنفوسهم إلى مستوى العبيد، فهم كما قال المؤلف يهدءون ويتحركون مرضاة لأشخاص يعملون لهم ويعيشون في دائرتهم، وتكون أصواتهم النيابية لهم في النهاية دون كفاءة واستحقاق
وقد عجب الأستاذ الغزالي بقاء هذا الوضع الظالم قروناً متوالية وتساءل عن أسلحة الرأسمالية التي مهدت لها البقاء في هذا الجو النهم الفاجع، وكم كان اليماً أن يكون الدين المستغل المشوه أفتك أسلحتها في هذا المضمار، فالدعوة إلى الزهد الصوفي، وتحوير النصوص الصريحة، وذم الدنيا في بعض الأحاديث النبوية، كل أولئك كان مادة وافرة للمحترفين من رجال الدين، فطفقوا يخدمن الرأسمالية عن قصد وغير قصد بما وه محاسن الإسلام وجلب عليه النوائب من كل باب!! وهو في هذه المعركة بريء شهيد وقد أردف المؤلف تشخيصه الصادق لعلاج ناجع يستمد أصوله من الدين الحنيف، وقد عرض نماذج مختلفة من نصوص القرآن وآحاديث الرسول، ومواقف الصحابة والخلفاء الراشدين، لتكون دعامة ثابتة في إقامة مجتمع نظيف يدين بالإخاء والمساواة، وكانت أعمال محمد وعلي وأبي بكر وعمر وأبي ذر عمادا يرتكز عليه الإصلاح المنشود، هذا إلى الواعد الأصولية المقررة في الفقه الإسلامي، كسد الذرائع، ورفع الضرر ومنع الحرج وتقييد المباحات، وكان موفقا كل التوفيق في قوله (واستنباط الحكم ما من أحكام الإسلام، ليس سبيله أن نعثر على نص من النصوص، فنطير به ونبني عليه القصور، كلا! فلابد أن نرجع إلى جميع النصوص الواردة في موضوعه، وأن نفهم روح الإسلام العامة التي يصدر عنها قوانينه، ثم لنا بعدئذ أن نقارن وأن نرجح عند تعارض الأدلة ما ينقدح في