للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يستسقون ويستغيثون وكان هذا الجندي في طلعيتهم، فنظم في الحال موشحه المشهور الذي نشرته الرسالة سابقا ومطلعة

يا ذا العطا يا ذا السخا يا ذا الوفا ... إسق العطاش تكرما فالعقل طاش من الظما

إلى آخر الأبيات، ويذكر الطاعنون في السن في بلادنا الشامية نقلا عن آبائهم وأجدادهم، أن مواكب المستغيثين ما كاد يصل إلى المدينة راجعا من العراء حتى جادت السماء بغيث مدرار لم تحصل عليه التربة الحلبية منذ عشرات السنين، وبهذا أنقذ الموسم. . . وكانت سنتئذ تعد من السنين المخصبة الممرعة لديهم. ولهذا لا يزال الحلبيون حتى الآن يفزعون إلى العراء كلما ضنت عليهم السحب بالأمطار، ينشدون هذه الموشحات إذ يعتقدون فيها الخير والبركة. . . ولكن الخير والبركة بعيدتان عن أهل هذا العصر الذي طغى عليهم فيه الكفر والإلحاد. . . فلم تعد تفيدهم في ضن مواسمهم وشحها لا توسلات إسق العطاش ولا بل الفراش. . . فديوان شاعرنا قد حوى الكثير من أمثال هذه الموشحات التي يضيق المقام عن سردها. أما في الأشعار الغزلية فلقد فاضت ريحة الشاعر المطبوع بالشيء الكثير، ومن أغرب ما رأيته فيها قوله من قصيدة له مشهورة مطلعها

هزوا القدود فأخجلوا سمر القنا ... وتقلدوا عوض السويف الأعينا

وتبادروا للعاشقين فكلهم ... طلب النجاة لنفسه إلا أنا

لا خير في جفن إذا لم يكتحل ... أرقا ولا جسد تجافاه الضنا

لما انثنى من سندس ... قالت غصون البان: ما أبقى لنا؟

وبثغره وبخده وعذاره ... معنى العذيب وبارق والمنحنى

أقسى علي من الحديد فؤاده ... ومن الحرير نراه خدا لينا

قلبه القاسي ورقة خصره ... هلا نقلت إلى هنا من ها هنا

شبهته بالبدر قال ظلمتني ... يا عاشقي بالله ظلما بينا

من أين للبدر الأتم ذوائبا ... أو مقلة أو ورد خد يجتني

البدر ينقص والكمال لطلعتي ... فلذاك قد أصبحت منه أحسنا

لو أن رقة خصره في قلبه ... ما كان جار على المحب ولا جنى

هذا نوع من أنواع أشعاره في الغزل وهي كثيرة ولا يحصى لها عد، أقل ما يقال فيها أنها

<<  <  ج:
ص:  >  >>