في هذه المسرحية قصائد خالدات يسجلها تاريخ الأدب للأجيال المتعاقبة باحترام صادق عميق، وهو مؤمن بشاعرية شوقي. . . فلو سأل سائل ما هو الشعر لقرأنا له:(يا طيب وادي العدم)، ولقرأنا له (أنا أنطونيو وأنطونيوا أنا)، ولقرأنا له:(زنبقة في الآنية)، ولقرأنا. (نام مركو ولم أنم). . ثم سكتنا. . . وهو - أي السائل - لا بد شاعر بما سأل عنه. . . فهذا الشعر ليس في حاجة إلى الإقناع بأنه شعر، إنه مناجاة عاطفية ذاتية إنسانية، مناجاة آتية من بعيد - كالأمواج المنسابة في ريث - تأخذ طريقها إلى نفسك وفي رفق، وصمت وعمق. . فتصغي إليها بكل حواسك، وكأنك تصغي إلى حبيب وأنت نشوان غائب فيه. . أراد شوقي أن يناجينا مناجاة العدم، فأتى بنشيد الموت. . وقد تمثله حقا، فاستطاع أن يمثله لنا، وأن يجذبنا إليه، وأن يجعلنا معه. . .
ذلك الموت الحالم المريح الذي قدمه لمزمعة الانتحار كليوباترا. . . ذلك الوادي الطيب، حيث الهروب مما لا نطيق، حيث العزلة، حيث تلاقي كليوباترا حبيبها، وتكون له خالصة ويكون لها كذلك. .
ما أجمل هذا الوادي، وما احبه للنفس اليائسة الراغبة في الانتحار. . . إن وادي شوقي هذا هو وادي العدم حقا. إنه واد (لم تمش فيه قدم) مجدب خال. إنه الموت. . . وحلق مع شوقي وارتفع بخيالك واسبح مع الشراع الفضي الذي يسري (كالحلم في الغمض)، وهو ثابت متحرك، لأنه حلم (يجري ولا يجري). . . واسمع الأحزان الموت المريح، لهذا النداء الحزين:
يا موت مل بالشراع ... واحمل جريح الحياة
وانظر مع شوقي لهذا الفلك وإلمحه من بعيد، وهو يخترق اليم (تحسبه نجما. . .) وتأمل سلبية هذا الزور، فهو ليس به ملامح، وهو: