للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وهو يجري ولا يجري. . إنها أمور محيرة. . إنه الموت، لا بلاغة يجول فيها العلماء. . . وهنا يخجل التحليل والتشريح. . . إنها أنفاس شاعر قد بثها في كل شطر. . أما النغم في هذه القصائد فهو يبدو في اللفظ والوزن والتركيب، وفي أبعد من هذا نفس الشاعر التي امتلأت بما يقول أما هذا النغم فهو همس صادق حزين، مستريح وأوى لحزنه. . حسبك أن تنصت لهذا الشعر، فتحسب أنه أغان تهمس بها نفسك أنت وهي كلمة قصيرة عن هذا الشعر الرفيع في هذه المسرحية. . . وإذا بحثنا عن عثرات فنية في شعر شوقي في هذه المسرحية فلن نجد ما يهبط بشاعريته. . .

فما يقوله دائما له مدلول ليس فيه فضول. .

فهو يتهالك على الشعر لينظم، بل عنده ما يقوله، بل ما يجب أن يقوله. . .

وإذا أردنا أن نلتمس شعراً ضعيفا فلنلتمسه في أبيات متبادلة بين أشخاص المسرحية. . . وذلك لطبيعة الشعر المسرحي. . . وللشاعر عذر في ذلك إلى حد ما، فهو لا يستطيع أن ينقل إلينا الكلام العادي الذي يجري على ألسنتنا ولا يستطيع أن يمثل لناحياتنا اليومية إلا بمثل هذا النظم. . .

والذي نلاحظه بجلاء أن شوقيا أسير لجلجلة الشعر العربي القديم، وذلك واضح جدا في كثير من قصائده الطوال في هذه المسرحية، مثل:

(وداعا كليوباترا إلى يوم نلتقي. . .)، (اليوم أقصر باطلي وضلالي. .)، (هلمي منقذي هلمي. .)، (أمانا إله الحرب ما أنت صانع. .)، (روما حنانك واغفري لفتاك. .)

في كل هذه القصائد يحمل شوقي روح الشعر العربي القديم ولا يمنع هذا من أنه يصف الحال ويعبر أحسن التعبير. . وتتجلى هذه الروح حينما ينفرد شوقي بنفسه ويطلق لها العنان على ألسنة أبطاله، وكأنه يثأر من قيود الحوار

وخلاصة رأينا في شوقي هي أننا - كما يقول أستاذنا الجليل الزيات بك (قد علمناه بالدرس، وعرفناه بالصحبة، فما أنخذل يوما في تحليقه وإسفافه عن مواقف العبقرية. . . ولئن كان في شعر شبابه مأسور الفكر، محصور الخيال، محدود النظر، لا يعبر إلا عن رأي القصر، ولا يصور إلا بألوان البيئة، لقد كانت هذه الحقبة الرسمية غيبة للشاعر عن نفسه، وذهولا منه عن وجوده، وقديما كانت صلات الشعراء بالملوك والخلفاء عاهة الشعر

<<  <  ج:
ص:  >  >>