وهي أنني لا أملك لهؤلاء الجياع العراة غير هذا القلم! وماذا يجدي القلم يا رب وهناك من ينتظر الثوب الذي يستر الجسد، واللقمة التي ترد عادية الجوع، والقطرة التي ترطب حرارة الظمأ، والوطن الذي يشعر بكرامة الحي ويعبر عن جمال الحياة؟! وماذا يصنع القلم وهو لا يجد ما يهديه إلى هؤلاء الجياع العراة غير هذه الفروش الفكرية؟ ومن يخاطب وقد مات الضمير الإنساني عند حراس الخزائن وملاك الضياع وسكان القصور؟ إننا لا ندعو إلى الشيوعية ولكننا ندعو إلى الإنسانية، الإنسانية التي تصرخ في وجه هؤلاء جميعا بأن في أموالهم حقا لكل فقير وكل جائع وكل محروم، وتقول لكل واحد منهم في همسة إن لم تكن جازعة فهي ضارعة: تنكر للفتك إذا شئت، ولعروبتك إذا أردت، ولقوميتك إذا أجبت، ولكن. . . ولكن لا تنس أنك إنسان!
إنها قروش فكرية كما قلت، وحسبي حين أجود بها أنني أجود بخلجات النفس وخفقات القلب ودفقات الوجدان. حسبي هذا، وحسب اللاجئين أن يتقبلوا على أنها نفحة من نفحات الألم، فيها من مشاركة الشعور ما يقوم مقام العزاء، حين يضيع كل أمل في الضمير الإنساني ويخيب كل رجاء)!
لحظات مع أندريه جيد:
قارئ من قراء الرسالة يسألني: لماذا لم تكتب (الرسالة) كلمة واحدة عن الكاتب الفرنسي أندريه جيد بعد أن أصبح في ضيافة الخلود؟ لقد كتبت مثلا عن برناردشو مقالين تعرضت في أولهما لشخصيته الأدبية والإنسانية، ثم تحدثت في الثاني عن موقفه من الرأسمالية. . . ترى هل يستحق شو أن تكتب عنه كلمتين ولا يستحق أن تكتب عنه كلمة واحدة؟ وجوابي عن هذا السؤال هو أن مكانة أندريه جيد في نفسي لا تقل عن مكانة برناردشو على التحقيق. . وإذا كنت حتى الآن لم أكتب عنه فليس معنى ذلك أنني صرفت القلم عن الكتابة أو صرفت الذهن عن التفكير فيه. وأزيد على هذا أن أقول للأديب الفاضل صاحب السؤال: لقد كانت لفتة جميلة منك أن تذكرني بهذا الواجب الأدبي الذي تسأل عنه (الرسالة) ويسأل عنه كاتب هذه السطور، وهو واجب لم أغفل عنه وإنما أرجأته إلى حين، وقد يكون هذا الإرجاء إلى الأسبوع المقبل أو الأسبوع الذي يليه!