أجل يا فدوى إنه عيدهم، عيد هؤلاء الذين عنيتهم بهذه الكلمات يوم أن تحدثت منذ شهور عن مأساة اللاجئين، وأطلقت هذه الزفرة المحترفة على صفحات الرسالة: (قلت مرة إنني كفرت بالضمير الإنساني، كفرت به حين كفر هو بكل وشيجة من وشائج الإنسانية وكل خليقة من خلائق الأحياء، حين تكون تلك الوشائج مجموعة من المشاعر والأحاسيس، مشاعر الدم الواحد واللغة الواحدة والتقاليد الواحدة، وأحاسيس الأخوة والعروبة والجوار!
قلت هذا فاعترض بعض الناس، وحجتهم أن الضمير الإنساني لا يزال بخير، في هذه البقاع الطيبة التي عنيتها بكلمات رسبت في نفسي رسوب اليقين. . . هم ينظرون إلى الجزء وأنظر أنا إلى الكل، ويحكمون في ضوء الفرد وأحكم أنا في ضوء المجموع، ويتكلون عن الضمير الإنساني من زاوية ضيقة ينحصر فيها فلان وفلان من عشاق الخير وصناع الجميل، وأتكلم أنا عن الضمير الإنساني في صورته الكاملة الشاملة التي تعني أكبر عدد من أقطار العروبة!
إن الضمير الإنساني في هذه البقاع الطيبة وبهذا المعنى الذي رميت إليه قد مات. . . ولو كان حيا لما سمح لنفسه بأن يطيق منظر الموت البشع وهو يحصد بمنجله الرهيب جموعا من الأحياء شردهم الظلم والطغيان فهاموا على وجوههم في كل فلاة: بطونهم خاوية، وأجسادهم عارية، بينما شبعت الكلاب واكتست الأضرحة واطمأنت إلى المأوى الأمين أخس أنواع الحشرات!
وأتطلع إلى هؤلاء المشردين الذين أضناهم البرد وقتلهم الجوع ولفح شعورهم الهوان، ثم أتذكر أن هناك غيرهم ممن أنعشهم الدفء وضاقت بطونهم بالتخمة وامتلأت نفوسهم بالأمان. . أتطلع إلى هؤلاء وأولئك ثم أخرج من جولة الفكر وفورة الأسى بهذه الحقيقة،