الأقاويل المخيلة الغير موزونة. وقد تجتمع هذه الثلاثة بأسرها مثل ما يوجد عندنا في النوع الذي يسمى الموشحات والأزجال، وهي الأشعار التي استنبطها في هذا اللسان أهل هذه الجزيرة أي الأندلس).
ولا مرية في أن أعاريض الموشحات والأزجال أنسب لنظم الغنائيات من سائر بحور الشعر لحلاوة نغمتها وسهولة توقيعها وتنوع قوافيها.
فالغنائية تنقسم باعتبار تلحينها إلى أجزاء نسردها لك دون أن نعرض لها، لأنها ليست من شأننا ولا مما يدخل في علمنا. وهي الافتتاح، والمقدمة، والإنشاد، والألحان، والمثاني، والمثالث، والمرابع، والمخامس، والخورس، والختام في نهاية كل فصل. فالافتتاح ما يسبق رفع الستار، والمقدمة ما يهيئ للعمل؛ والإنشاد نوع من الغناء يحل محل الحوار الكلامي دون أن يتقيد بوزن، والمثاني والمثالث والمرابع والمخامس قطع يزدوج فيها الصوت أو يثلث أو يربع أو يخمس، والخورس ما فوق ذلك. على أن اجتماع هذه الأجزاء ليس ضرورياً ولا جوهرياً. فالملحن يستطيع أن يغفل منها ما لا يتفق مع الرواية.
ثم تنقسم الغنائية باعتبار تأليفها إلى غنائية جدية، وهي ما كان موضوعها سامياً وعملها رائعاً وأداؤها غنائياً كله. فلا تجيز الحوار النثري وإنما تستبدل به الإنشاد، وغنائية هزلية وهي ما تجيز الحوار النثري في خلال القطع الغنائية.
الغنائية الجدية '
ليس من اليسير أن تجد لهذه الغنائية تعريفاً جامعاً لتنوعها وتفرعها، واختلاف الرأي فيها بين الفرنسيين والإيطاليين؛ فإن لكلا الشعبين نظرية فيها سار عليها ودعا إليها. ولعلنا إذا ذكرنا النظريتين تستطيع أن تقف منهما على موضوع الغنائية ومداها.
فالنظرية الفرنسية زعيمها (كينو) وهي منبنية على تقليد الملحمة في استعمال الخوارق والأعاجيب وتنوع المناظر وتعدد الصور، ونقل كل ذلك إلى عين الناظر كما تنقله الملحمة إلى ذهن القارئ. فقد يكون التأليف كله مختلقاً غريباً، ولكن في هذا الاختلاق إتفاقاً واتساقاً تنتج منهما الحقيقة، كما أن الموسيقى تظهر جمال الخوارق، والخوارق تبين إمكان الموسيقى. فأنت في جو جديد يجمع بين عالم الغيب وعالم الشهادة، ويضيف إلى جمال الخيال سحر الطبيعة، وذلك كله يسير في انسجام والتئام ودقة. أما العمل الروائي فواضح