للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يسهل عقده وحله، والحوادث يتوالد بعضها من بعض، والأهواء رقيقة تشتد حيناً ثم ترق، والأخلاق ساذجة، والمناظر متنوعة، والجاذبية قوية مؤثرة، ولكنها تتراخى أحياناً فتخفف عن الأعصاب وترفه عن النفوس.

تلك هي غنائية (كينو) ونظريته: يجمع كل ما يستطيع من الوسائل ليخلب السمع ويبهر البصر؛ وهو لذلك يستمد موضوعاته من الأساطير والسحر، فيملأ المسرح بالأعاجيب والصور، ويهيئ لنفسه الانتقال من الأرض إلى السماء ومن الجنة إلى النار مهيمناً على الطبيعة مستولياً على الوهم فاتحاً للمأساة طريق الملحمة، ليجمع بين فضائل النوعين، ويوفق بين مرمى القصيدتين.

ومزية هذه الطريفة الخرافية أن تكفي الشاعر مؤونة التفصيلات الدقيقة التي تطلبها الحقيقة، فإن الموضوعات التاريخية تقتضي جلاء الغامض وتعليل الحوادث وتقريب البعيد وإمكان المستحيل.

أما النظرية الإيطالية فزعيمها (ميتا ستاز) وهي مبنية على محاكاة الطبيعة وتوخي التأثير والبلوغ بالمحزنات الفواجع إلى حد لم تبلغه المأساة. فهو يكسو الأفق بالسواد، ويصبغ المسرح بالدم، ويسرع بحركة العمل وهو مغرق في الإشارة والإثارة بروعة الأداء وحدة الهوى. وفضل هذه النظرية على الأولى ظاهر في قوة الأثر ودقة المواقف وجمال الحقيقة وسهولة الإمكانية. لذلك عني الشعراء والموسيقيون بالتوفيق بين النظريتين والجمع بين الطريقتين ليدركوا مزايا هذه وتلك. فهم يمزجون الصور العجيبة بالرهيبة، والمواقف الطريفة بالعنيفة، والمناظر التي تسحر العين بالتي تخلب اللب.

على أن الغنائية ليست مقصورة على الخوارق والمحزنات، وإنما تتناول الأناقة الحضرية والحياة الريفية والخلق الفكه والهزل المضحك، على شرط أن يتسق كل ذلك في طبيعة حية وحركة قوية وتنوع جاذب.

الغنائية الهزلية '

أما الغنائية الهزلية فاسم يطلق اليوم على درامة جدية الموضوع فكهة الأسلوب، تخلط الغناء الشعري بالحوار النثري، وتعنى بتعقيد العمل الروائي. ومنشأ هذا النوع كان في مستهل القرن السابع عشر، ظهر أولاً في شكل ملهاة غنائية كانت تمثل في سوقين

<<  <  ج:
ص:  >  >>