شهيرتين:(سان جرمان) و (سان لوزان). ثم أخذ مع الزمن يقترب من الغنائية الجدية بتغليب جانب الموسيقى والغناء حتى لم يبق بينهما اليوم إلا فروق سطحية شكلية أهمها الأسلوب الفكاهي. فإطلاق هذا الاسم على الغنائية التي لا نصيب للهزل فيها إطلاق غير صحيح، لأن الغنائية إنما وضعت في الأصل للدلالة على كل عمل موسيقي، ولا سيما العظيم الجدي منه. فإضافتهم صفة الهزل إليها دليل على أنهم يريدون بها عملاً أقل في العظمة، وأقرب من الهزل، وأقبل للحوار النثري. ويؤيد هذا الرأي أن الغنائية الهزلية أو الابراكوميك سليلة المهزلة (الفودفيل) ولا يفرق بينهما إلا أن ألحان المهزلة كلها معروفة مألوفة من قبل ثم تقتبس لأوزان جديدة تؤلف للرواية. أما ألحان الغنائية الهزلية فهي مصنوعة لأوزانها خاصة، ولذلك كان شعرها محكم الرصف بديع الوصف، يقوم عليه الشطر الأكبر في نجاح الرواية.
وغبرت الغنائية الهزلية حقبة من الدهر وهي خاضعة لسلطان المهزلة فلا تستطيع أن تتجاوز مداها، ولا أن ترتفع عن مستواها، وإنما كانت تستعير أساليبها الحية، وأناشيدها الطلية حتى جرؤ الملحنون على أن يطلبوا إلى المؤلفين أن يوسعوا الدائرة القديمة، وأقدموا هم أيضاً على ابتكار ألحان جديدة، واقتباس بعض المثاني والمثالث والأشكال من الغنائية الجدية ما دامت تتصل بها وتتعلق بسببها، فلما صارت الغنائية الهزلية فناً أدبياً وعملاً روائياً حقيقياً أصبح الكاتب يضع روايته حراً من كل قيد، ثم يدفعها إلى الملحن فيختار لها فكرة موسيقية تقوي التعبير عن الغرض. وهم اليوم يميلون إلى تقليل الحوار وتكثير الغناء، ورد هذا النوع إلى شكل لا يكون معه إلا درامة غنائية وملهاة غنائية لا يدخل فيها ما ليس منها حتى لا يقول فيه القائلون اليوم أنه نوع مزيف، وحتى لا يصفه (تيوفيل جوتييه)(بأنه سفيح قبيح، قد خلط بين وسيلتين متباينتين من وسائل التعبير، فجعل الممثلين يسيئون الغناء بحجة أنهم ممثلون، والمغنين يسيئون التمثيل بحجة أنهم مغنون).
على أنه بالرغم من هذا النقد الوجيه يستحق العناية والتأييد، لأنه سبب واصل بين ذوق العامة وذوق الخاصة، ودرج صاعد بالجمهور إلى الفن الموسيقي فيرفعه من حضيض (الفودفيل) إلى أوج (الأبرا).
وهنا نقف القلم معتقدين أن فيما بسطناه من قواعد الفن الدرامي بلاغاً للكاتب الشأن وسداً