يصف الشيء على غير حقيقته: فلان لم ينعم النظر ولم يستقص التأمل. وهكذا الحكم في السمع وفي غيره من الحواس؛ فإنك تتبين من تفاصيل الصوت بأن يعاد عليك حتى تسمعه مرة ثانية ما لم تتبينه بالسماع الأول، وتدرك من تفصيل طعم الذوق بأن تعيده إلى اللسان ما لم تعرفه بالذوق الأول، وبادراك التفاصيل يقع التفاضل بين راء وراء وسامع وسامع) وهكذا يسترسل عبد القاهر في الكلام عن المحسات حتى يصل بك إلى قوله (والأمر في المعقولات كذلك، تجد الجملة أبدا هي تسبق إلى الأوهام وتقع في الخواطر أولا، وتجد التفاصيل مغمورة بينها، وتراها لا تحضر إلا بعد أعمال الروية واستعانة بالتذكير)
أما بعد: فقد أن لنا أن نبحث في تراثنا العربي على ضوء العلم الحديث، لنكشف للعالم ما أثبتت التجارب العلمية صحته ومطابقته للواقع، ولا زال فينا - مع الأسف - من ينظر إلى هذا التراث نظرته إلى خرق بالية قد مزق أديمها، ولم يدر أن بها من الكنوز ما أن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوة، ورحم الله (حافظاً) إذ يقول على لسان اللغة العربية:
أنا البحر في أحشائه الدر كامن ... فهل سألوا الغواص عن صدفاتي؟