وذكرت ما اتفق لنا في هذه الخطرة في الرحلة المسماة (بالخمرة المحسية في الرحلة القدسية) ثم عدنا إلى الديار، وأقمنا فيها مدة بحكم الاضطرار، فهاجت بنا دواعي الشوق، ودبت فينا نشوة التوق، إلى تلك الآثار المقدسة وثارت الأشجان إلى لقاء الأخوان في سنة (١١٢٦هـ - ١٧١٤م) وأودعت ما وقع هذه الكرة وما جرى هذه المرة، في كراسة وسميتها (الخطرة الثانية الأنسية للروضة الدانية القدسية) وكرينا على الأوطان، وأعددنا أنفسنا من القطان، في شهر رمضان سنة (١١٢٧هـ) وأقمنا إلى شهر رجب من شهور عام ثمانية وعشرين، فحرك الحق سبحانه الهمة إلى زيارة علم الشرق وما حواه العراق من السادات المتكاثرة. ولما وصلنا إلى محروسة حلب لم تقسم الزيارة لأمر محتم، فقصدنا زيارة سلطان الزهاد سيدي إبراهيم بن أدهم، ومكثنا في طرابلس الشام نحو سبعة أشهر وأيام، وتراجعنا للآثار المقدسة، لعلاقة لا تنسى، وضمنت بعض ما شهدناه في جزء سميته (الحلة الذهبية في الرحلة الحلبية) وعطفنا على المرابع السامية الشامية؛ عام ثلاثين راجين القرب من رب البرية وازداد وارد الأدكار والأفكار، كيف الوصول إلى سعاد الحجاز الرفيع المنار، وكان عام ثمانية وعشرين توجهت همة الأخ عبد الكريم القطان، إلى الحج الشريف، فقال له الأخ ذو الود والوفا الشيخ مصطفى ابن عمرو، أنت حجيت واجعل هذه عن أخيك فلان، ليحصل لك الثواب سبعين حجة كما جاء في بعض الآثار، فقبل منه ذلك وقرأ الفاتحة وتوجه لذلك المقام، نائباً عن الفقير في رحلته، وذكرت ذلك في ترجمته المسماة (بالصراط المستقيم في ترجمة الأخ الشيخ عبد الكريم) ولما عدت للديار ودخلت سنة (١١٣٠هـ) وقرب زمن مسير الحاج، أنشدني المجذوب الشيخ أحمد بن سراج مطاوعياً، ثم قال لي يا مصطفى (أن مرادهم يرسلوني إلى الحج في هذا العام) ففهمت إشارته ومقصده، في هذا الكلام، فقلت له (أرسلني نائبا عنك) فقال (أتروح)؟ فقلت (نعم ولو أن الروح تروح) فقال (ان رحت أرسلك مكاني) فقلت (عسى أن يدنو التهاني). ثم غاب وحضر بعد مضي جملة أيام. وجاءني قائلا (مرادنا نرسلك إلى الحج في هذا العام) فقلت (حفظك الله السلام، هذا هو القصد والمرام). وكنت ذهبت لوداع الحاج قبل هذا العام بعامين أو أكثر، وأنشدت حين شهدت الهوادج والأجمال تسير بلامين للسيد الأكبر:
زجروا العيس نحو وادي العقيق ... ليت شعري هل لي له من طريق