للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المشهورة، بعد أن تناولها بشيء من التنقيح والتجويد، وبشيء من الحذف هنا، والزيادة هناك. وهو يعطينا صورة واضحة عن الأستاذ المعداوي كناقد أدبي وكدارس شخصيات، يملك موهبة فائقة، واستعداداً ممتازاً، واطلاعاً واسعاً منوعاً، ويملك فوق ذلك تجارب إنسانية مختلفة تعينه على إدراك الأعمال الأدبية إدراكا صحيحا، وعلى فهم الشخصيات الإنسانية فهما مباشراً، لأن هذه التجارب الإنسانية المختلفة تجعله أقدر على التجاوب مع أصحاب هذه الشخصيات، وتلك الأعمال، في تجاربهم الخاصة. والتجاوب النفسي شرط أصيل في إدراك الأعمال الأدبية وفي فهم الشخصيات الإنسانية على السواء، واللذين ينقصهم هذا التجاوب من النقاد يقفون بنقدهم عند المظاهر الواضحة دون أن يصلوا إلى البواعث النفسية. وقارئ هذا الكتاب يرى بوضوح أن صاحبه قد احتفل بكل موضوع من موضوعاته أتم احتفال، واحتشد له أكمل احتشاد حتى لم يدع زيادة لمستزيد، أو سؤالاً لمستفهم، ويرى كذلك أنه يتفوق على نفسه في بعض ما كتب، وذلك حين تتيح له طبيعة الموضوع أن يبدي كل ما لديه من موهبة، ويعرض كل ما يملك من استعداد، ثم هو يجد الأستاذ يفكر دائما بعمق وبوضوح وهذه ميزة، ويجده مع ذلك يملك المقدرة الفائقة على الإبانة والتوضيح، وهذه ميزة أخرى؛ لأن الإنسان قد يفكر بعمق في شأن من الشؤون، فإذا أراد أن يعبر عن أفكاره خانته وسائل التعبير؛ لأنه لا يملك منها الشيء الكثير

أما أسلوب الأستاذ، فإنه يمتاز بالدقة والتناسب والانسجام ونعني بالدقة اختيار الكلمات التي تحدد المعنى تحديداً تاماً، وذلك من ألزم اللوازم في النقد الأدبي؛ ونعني بالتناسب أنه يوجز في مواضع الإيجاز، ويطيل في مواضع الإطالة، فلا يخل بذلك، ولا يمل بهذه. أما الانسجام فهو تلوين الأسلوب بحيث يلائم طبيعة الموضوع. ولهذا الموضوع موسيقى رائعة الوقع، شجية الرنين، تمتاز بالجلال في موضوعات النقد ودراسة الشخصيات وتتفرد بالجمال في موضوعات العاطفة والوجدان. وليس من شك في أن أسلوب الأستاذ المعداوي يعد من أجمل الأساليب الأدبية المعاصرة. وما كان الأسلوب الأدبي في أي عصر من العصور أجمل منه في هذا العصر الذي نعيش فيه

والخلاصة أن الأستاذ المعداوي ناقد ملهم، قوي الطبع، عظيم الموهبة، وافر الأداة، كامل الاستعداد، مخلص في عمله، مؤثر له، متوفر عليه، وهذه الصفات مجتمعة لا تكاد تتحقق

<<  <  ج:
ص:  >  >>