(بيبو) امرأة عجوزا بين سائقي العربات وسائقاتها. . . وكان قد رآها في الصباح قريبا من المقصلة فقال لها:
هيا. . . يا أم! ماذا أتى بك إلى هنا؟!
فأخذت تعبث بسوطها بأصابعها الغليظة المعروقة بينما ضحكت ضحكة خشنة إلى (بيبو) وأشارت إلى مقبض سوطها المحاط بخصل من الشعر مختلفة الألوان. . . وقالت له:
لقد صادقت الجلاد!. . وقد أهدى إلي هذه الخصل من الرؤوس التي تتهاوى تحت سيفه. . . وقد وعدني خصلا أخرى غدا. . ولكن لا أدري. لعلي لا أكون هنا في الغد!
فأسرع (بيبو) إلى سؤالها عن السبب فأشارت بسبابتها إلى داخل العربة وأجابت:
أن حفيدي مصاب بالجدري، ويقول البعض أنه الطاعون! وإذا كان الأمر كذلك، فسوف لا يسمح لي أن أدخل باريس في الصباح!
ولم تكد العجوز تذكر كلمة (الجدري) حتى تراجع (بيبو) إلى الوراء، وعندما ذكرت (الطاعون) تقهقر عنها ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وتحاشت الجماعة كلها هذه العربة وصاح (بيبو) في العجوز:
- عليك اللعنة
- بل عليكم أنتم، أيها الجبناء! أي رجل هذا الذي يرتاع من المرض؟! وظلت الجماعة واجمة، خائفة، يبدو عليها الفزع، لأن هذا الداء الخبيث (الطاعون) هو الشيء الوحيد الذي يستطيع أن يثير الرعب والضيق في هذه المخلوقات المتوحشة!؟ وأخيرا صاح (بيبو) في المرأة مرة أخرى:
- أغربي عنا. . . أغربي بطفلك هذا المصاب بالطاعون!
. . وفي ضحكة خشنة ألهبت العجوز ظهر حصانها بالسوط وانسلت خارج باريس!.
. . وأفسدت هذه الواقعة أصيلة اليوم. . ولا يزال أفراد الجماعة التي حول (بيبو) ينظر بعضهم إلى بعض في ريبة وحذر ولا يزالون يتحاشون بعضهم خشية أن يكون (الطاعون). . قد اندس بينهم من قبل. . ثم أقبل فجأة ضابط من الحرس. . وكانت حقيقة هذه المرة. . لأنه معروف شخصيا (لبيبو). . ولا خوف أن يتكشف عن ذلك الإنجليزي المخادع المتنكر. . وقبل أن يصل الضابط إلى الباب: -