ان كان مسعود سقى اطلالهم ... سيل الشؤون فلست من مسعود
ومطلع هذه القصيدة:
ارايت أي سوالف وخدود ... عنت لنا بين اللوى فزرود
قلنا ان الرواة اختلفوا في المدة التي عاشها هذا الشاعر وهذا لا يهم ما دام نفسه قد سجل عمره فقد قال وهو في العشرين:
كأني وقد جاوزت عشرين حجة ... خلعت بها عن منكبي ردائيا
واذا علمنا انه في الايام الاخيرة أي بعد اسلامه انقطع عن النظم وانه اقام بالكوفة حتى مات، وعندما وصلت به السن الى العام العاشر بعد المئة قال:
اليس في مائة قد عاشها رجل ... وفي تكامل عشر بعدها عمر
علمنا صحة ما ذهب اليه بعض الرواة من انه اكمل قرنا ونصف القرن، وهي حياة طويلة بالنسبة لغيره من المعمرين في الجاهلية والاسلام.
فقد قال وسنه انذاك ٧٧ مخاطبا نفسه:
باتت تشكي الى الموت مجهشة ... وقد حملتك سبعا سبعينا
فان تزيدي ثلاثا تبلغى املا ... وفي الثلاث وفاء للثمانينا
شعر جميل بالرغم من وجود اشباع في لفظة تزيدي من صدر البيت الثاني كما يقول العروضيون.
ثم درجت به السنون حتى اشرف على قمة الثمانين فهتف من اعماق قلبه:
ان الثمانين ـ وبلغتها ـ قد احوجت الى ترجمان
يا لله من روعة لفظة وبلغتها، ويالسحر هذا الحشو الرائع!
بالشاعر الارض حتى اشرفت به على التسعين فصاح صيحة المنهوك الحائر:
كأني وقد جاوزت تسعين حجة ... خلعت بها عنى عذار لجامي
رمتنى بنات الدهر من حيث لا ادري ... فكيف بمن يرمي وليس برامي
فلو اني ارمى بنبل رأيتها ... ولكنني ارمي بغير سهام
الا يرى القارىء هذه الصورة التي وصفها لبيد (رجل اعزل من السلاح يرمي بنبل لا يراها ولكن يحس بوقعها) الا يشعر بالالم؟ الا يستحق الرثاء!! الم تكن هذه السنوات