أنسيت صدقي في حروب عواذلي ... وجميعهم شاكي السلاح شديد
قصدوا بوادي بالسلو وادروا ... أن اصطباري في هواك أكيد
ولقد أذعت هواك بين عواذلي ... وسهامهم تدمى الحشا وتبيد
فأنت ترى أن عائشة تذكر الحواجب والوجنات والخصر النحيل والأرداف المكتنزة والخدود والألحاظ، وتحدثنا عن وقوفها أمام أعتاب الحبيب وما كابدته من عناء وألم في سبيل الحب، وما لقيته من عذل العذال وكيد الوشاة والحساد، وغير ذلك مما يجري على ألسنة الرجال، ويتغنى به الشعراء عادة في قصائدهم الغزلية، فكأنها - والحالة هذه - تقمصت شخصية الرجل، وخلعت عنها أنوثتها.
نصف شعر عائشة في الغزل. فإذا قيل إنها كانت تروض القول كدأب الشعراء في ذلك العصر، فلم اختارت باب الغزل بالذات لتتخذه ميدانا للتمرن على القول؟ ولم أتت بهذا القول الماجن الذي يكاد يكون مكشوفا؟ إن كثرة تغزل المرأة بواحدة من جنسها، يخلق عندها شذوذا، ويبتعد بها عن طبيعة الأنوثة ابتعادا كبيرا. وحبذا لو أنها لم تطرق هذا الباب. والظاهر أن عائشة لم تكن مكتملة الأنوثة، ولذلك أخفقت في حياتها الزوجية إخفاقا تاما. وهجرها زوجها، ثم إنها لم تذكر هذا الزوج ولا في بيت واحد من شعرها.
ولقد أرادت عائشة أن ترفع لواء النهضة النسوية في مصر وحاولت أن تخلف حولها جوا أدبيا، لذلك صنعت هذا الغزل وكانت فيه متكلفة، ونشرته في حياتها، وهذه جرأة عجيبة وبخاصة في العصر الذي عاشت فيه، ولو أنك طلبت من فتاة تعيش في هذه الأيام أن تقول مثل هذا الغزل، لوجدت منها إعراضا تاما.
وكان بعض أدباء عصرها قد نظم قصيدة جاء فيها:
ماذا تقول إذا اجتمعنا في غد ... وأقول للرحمن هذا قاتلي
فأجابته قائلة:
إن كان موتك من قسى حواجب ... كالنون أو من سحر جفن ذابل
أو غرة مثل النهار وطرة ... كالليل أو من جور قد عادل
أو من لحاظ تسحر الألباب إذ ... تروى لنا سلب النهى عن بابل
فهي التي فعلت ولم أشعر بما ... فعلت فكيف تلومني يا سائلي