أنا ما قتلت وإنما أنا آلة ... في القتل فاطلب إن ترد من قاتل
ومتى أريد قصاص سيف أو قنا ... هل من سميع مثل ذا أو قائل
والله قد خلق الجميل ولم يقل ... هيموا بلين قده المتمايل
ما قال ربك قط يا عبدي اطل ... نظر الملاح ويا جميلة واصلي
فعلام تطلب بالدعاء وتدعى ... زورا وتطمع في محال باطل
لبث الشعراء أجيالا طوالا يشكون من سهام العيون وسحر الألحاظ ويبكون لهجر الحبيب وامتناعه عنهم، ويتألمون لقسوته وإعراضه، ويطلبون وصاله ويتمنون قربه، فلم تنهض للرد عليهم امرأة واحدة. وفي الحق أن هذا الجواب طريف ومفحم في نفس الوقت. طريف لأنه لم يسبق له مثيل في الشعر العربي. ومفحم لقوة حجته ووضوح بينته. فأنت ترى مقدمة منطقية تنتهي إلى نتيجة لا يسعك معها إلا التسليم. أما المقدمة فهي أن المرأة آلة وليست فاعلة للقتل، والنتيجة التي تصل إليها أن الآلة لا تسأل وإنما يسأل القاتل. ثم انتقلت بعد تلك الحجة المنطقية إلى حجة دينية لا تقل إفحاما وهي:
ما قال ربك قط يا عبدي أطل ... نظر الملاح ويا جميلة واصلي
ومن هنا تبطل دعوى من يطلب بدمائه المسفوكة لأن دعواه أقيمت على غير أساس كما تقول عائشة.
ولو أن الشعراء من قديم الزمن سمعوا هذا الرأي واقتنعوا به لأراحونا من بكائهم ونحيبهم على هجران الحبيب. . وأعفونا من الشكوى من بعده وصده، ولفقد الشعر العربي جزءا كبيرا من ثروته.
ولقد أضحكني قولها:
وإذا رأيت الحب من ألم الجوى ... هد القوى بشدائد البأساء
عاطيه سلفات الحديد تكرما ... من قلبك الجافي بكل رضاه
فاستخدام سلفات الحديد هنا مما يضحك. وهذه دعابة لطيفة.
وكانت الشاعرة قد أصيبت برمد شديد لازمها شهورا. وقد عانت منه مشقة كبيرة. فنظمت في ذلك عدة قصائد وصفت فيها ما فعله الرمد بها وما جره عليها من البلاء. وهذه القصائد جديدة في موضوعها. والظاهر أن عائشة وجدت مجالا جديدا للقول، فانتهزت فرصة