أصابتها بهذا المرض، وأنشأت في ذلك جملة قصائد. وكان من المحتمل أن تصور لنا حالتها النفسية في هذا الشعر، وتنقل لنا إحساسها الداخلي الذي سيطر عليها آنئذ. ولكنا - مع الأسف الشديد - نقرأ هذه القصائد فنجد أن هم الشاعرة هو التلاعب بالألفاظ والتعابير. وهذا مما لا يفعله الحزين الذي برح به الألم، وأضناه السقم. قالت:
طفا ماء الجفون وما دنت بي ... سفين الشوق من جودي الوصال
وقد أصبحت في بحر عميق ... من الظلماء مجهود الملال
ضللت بليل أسقامي طريقي ... إليكم سادتي فانعوا ضلالي
فوا أسفا على إنسان عيني ... غدا في سجن سقم واعتقال
حجبت بسجنه عن كل خل ... وصرت مخاطبا صور الخيال
أإنسان العيون فدتك روحي ... يهون لعود نورك كل غالي
أترضى البعد عن عيني أليف ... أضر بعزمه ضيق المجال
وأنت تحاول أن تتلمس شعوراً ولو تافها في هذه القصيدة فيعجزك ذلك. وكذلك كل ما نظمته في هذا الموضوع. إلا أنك ستلاحظ أنها اتخذت من قصائدها الرمديات ميدانا للغزل. فشخصت إنسان عينها وشرعت تتغزل فيه وتتألم لبعاده، وتتمنى قربه. ومثال ذلك قولها
وقالوا مات، قل موتوا بغيظ ... فجعل القصد حيا قد أتاني
وجدد بالوصال حياة روحي ... أعوذه بآيات المثاني
فدعني يا خلي والخل تخلو ... ونكحل بالثنا جفن الأماني
لمرآة الجمال ووجه بدر ... دعاني يوسف الثاني دعاني
حبيبي بالذي أعطاك نورا ... تقود به كما ترضي عناني
فهذه الأبيات تكشف عن نفسية خاصة. فالشاعرة قد استحضرت في ذهنها صورة يوسف الصديق وقد امتنع عن امرأة العزيز حين همت به وغلقت الأبواب وقالت هيت لك فقال معاذ الله. فشبت نفسها بامرأة العزيز وإنسان عينها بيوسف. ثم تخيلت أنها نهضت وغلقت الأبواب وراودت يوسف عن نفسه وهمت به فلم يمتنع عليها ولم يقل معاذ الله، وهذا الغزل مهما كان من أمره - تظهر فيه الأنوثة. وهو بذلك يختلف عن غزلها المتقدم الذي ذكرت