للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تلقائيا. فهو ينطق بمحض رغبته ويتعلم بمحض إرادته، ثم سرعان ما نجده يستعمل ذلك العلم - الذي كان غرضا في أول الأمر - وسيلة لتحقيق أغراض حيوية أخرى ترتبط به. فكلمة ماما سرعان ما تجر معها غيرها من الكلمات (عاوز ماما) وهكذا.

هذه هي الطريقة العملية للتعلم داخل الأسرة وهي نفسها الطريقة الموجودة لدى الإنسان البدائي ولدى الطبقات التي ما زالت حتى اليوم تعيش على الفطرة. يصبح الابن فيشاهد والده متوجها إلى الحقل فيسأل: لماذا؟ ويذهب مع والده فيراه وهو يزرعه. ينظر إليه أولا ثم سرعان ما يشترك شيئا فشيئا، في حراسة المواشي وإطعامها أو في السير خلف المحراث، وهكذا يشترك اشتراكا عمليا في الزراعة فيتعلمها لأن عليها تتوقف حياته وحياة أسرته. لقد امتص واشتق جميع ما يلزمه من معلومات حتى أصبح في النهاية فلاحا أصيلا مع أنه لم يتلق أي درس في أصول الزراعة.

هذه هي الطريقة الطبيعية العملية السيكولوجية التي يمكن أن نلاحظ عليها الميزات الآتية:

١ - إن المتعلم يبدأ فيها كنتيجة لاعتراض مشكلة ما سبيل التعلم، وإن مدى استجابته لها يتوقف على مدى حيويتها بالنسبة إليه.

٢ - إن نزوع المتعلم إلى حل مشكلة نزوع تلقائي نابع من ذات نفسه وغير مفروض عليه من الخارج.

٣ - إن ظاهرة التغير - لا الجمود - هي التي تلازم سلوك المتعلم، وإن المعلم هو الذي يسيطر على تغيير سلوكه حتى يصل إلى تحقيق هدفه النهائي.

٤ - حيوية المادة التعليمية وثبوتها وعدم قابليتها للنسيان وكيف يمكن أن تنسى وقد أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياة الإنسان.

٥ - إن المتعلم يتعلم فيها عن طريق غير مباشر بمعنى أن التعليم ليس هدفا في حد ذاته، وإنما هو فرض يتحول إلى وسيلة ترمى إلى تحقيق هدف جديد. . يغدو بدوره وسيلة أخرى تفتح أمام الإنسان آفاقا جديدة وهكذا تظل المعلومات مستعملة باستمرار فتظل لذلك دائما أبدا خبرة حية نابضة في القلوب والأذهان.

٦ - إن ظاهرة النمو والاستمرار في التعلم صفة أساسية في الشخص الذي يتعلم بهذه الطريقة؛ لن ينقطع تعلمه ما دام يحيا ويعيش وسيظل يطلب العلم من المهد إلى اللحد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>