وأدع للشعراء مرأى شروق الشمس ومشهد غروبها، عساهم يصوغون من منظر الغروب قرصا ذهبيا فيودعونه المساء في الغرب، ثم يرتقبون بزوغه على الماء من الشرق وهو يحمل على السحب بأشعته النافذة حتى يدميها. . فتبدو زرقتها مختلطة بالدم في لون بهيج!
أدع ذلك وما إليه لإخواننا الشعراء يهيمون فيه، لأعرج على هذه الأعشاش القائمة الآهلة برواد البحر ومنتجعي السكون وطلاب الجمام في هذا المكان. وهنا نرى مدى التقصير في حق ذلك الجمال! بل مدى الغفلة عن الانتفاع بطبيعة ساحلنا الذي يفتح لنا ذراعيه فنعرض عنه وننأى.
أول ما يتجشمه القاصد إلى المصيف عناء السفر ووعورة الطريق، فإن القادم من القاهرة عن طريق المواصلات العامة، يكاد ينفق يومه كله حتى يبلغ المصيف. تتعاوره وسائل النقل الحديثة والمتوسطة والقديمة، فإذا تسامحنا واعتبرنا هذه القطر التي تستعملها السكة الحديدية من الوسائل الحديثة. . فبعدها شيء يسمونه (قطار الدلتا) وهو يسابق السلحفاة في البطء. . فيسبقها بكثرة العطب! وهذا من الوسائل المتوسطة لأنه هو الذي قيل فيه عند اختراع القاطرة: إنه يزعج الدجاج فلا يجعلها تبيض!
أما الوسيلة الثالثة فهي الحمير. . وما أكثر الحمير هنا! ذلك كله والمسافة كلها لا تزيد على ١٨٠ كيلومتر، أي أنها أقل مما بين القاهرة والإسكندرية.
ونسمع أن مصلحة السياحة قررت صرف ثلاثة آلاف جنيه لإصلاح هذا المصيف، وهي جعجعة لا نرى لها طحنا. . وحسبك أن تعلم أن ماء الشرب يجلب إلى المصطافين من أبار بعيدة ويباع لهم بثمن يساوي اللتر فيه خمسة مليمات! فهل رأيت مثل ذلك فيبلاد للنيل فيها غدوات وروحات. . .؟
وتصور الساحل الثاني لهذا البحر في (الريفييرا) الفرنسية و (الريفيرا) الإيطالية وغيرهما - تصور ما يغمر ذلك الساحل من أضواء وأنوار، ثم انظر إلى (الريفييرا) المصرية ترها متلفعة برداء من الظلام ذي ثقوب تطل منه المصابيح ذات (الشريط نمرة ١٠) وسيقولون إن المصيف أنير في هذا العام بالكهرباء، وهي دعوى لا دليل عليها إلا الأسلاك الممتدة التي تنوء بعبء التيار، فتقطعه ولا توصله، فلا تغني عن تلك المصابيح شيئا، وهناك دليل