آخر على تلك الدعوى هو ما دفعه المصطافون من النقود لقاء عدم الاستهلاك!
والمرافق الأخرى ليست بأحسن حالا. فرسائل البريد والبرق لا موزع لها، إنما تبلغ مستقرها عند الشباك حتى يأتي من يسأل عنها! والخبز أحيانا نتفقده فلا نجده، وقد أقيم له مخبز لا بقى عجينه من الرمل. . وهذه آخر مرحلة تطور إليها خلط الرغيف منذ الحرب الماضية!
والعجيب أن يكون مصيف بلطيم على هذه الحال البدائية، وعمره أربعون سنة. فقد ظل هذا الزمن لا يلتفت إليه أولو الأمر وفي الوزارات لجان لتحسين المصايف وتشجيع الاصطياف وعندنا سياسة مرسومة للسياحة أهم أغراضها جلب السائحين إلى البلاد لتستفيد منهم استفادة اقتصادية. . وفي رأيي أن الشاطئ المصري، في مواقفه المختلفة لو وجهت إليه العناية أصبح كعبة القصاد من خارج البلاد، فضلا عن أهلها الذين يرحلون عنها ليبذروا المال ويغدقوه على الأجانب.
مقامة الرغيف:
ومن طريف ما وقع هنا، أن ضاق أحد الزملاء، وهو الأستاذ عبد الله حبيب، برداءة الخبز. وبجوارنا أستاذ فاضل من بلقاس هو الأستاذ عبد القادر الشايب المدرس الأول للغة العربية بمدرسة بلقاس الثانوية، وقد رتب أمره - لخبرته بالمصيف - على أن يخبز له في منزله ببلقاس ويرسل الخبز إليه في (عشته). . فما عرف الأستاذ عبد الله حبيب بهذا حتى تذكر (أبا زيد السروجي) فاستعان بطريقته، وكتب إلى الأستاذ الشايب ما يلي:
(كتابي إلى السيدالجليل، نضر الله عشه، وأكثر (عيشه) وأدام على الأيام هشه وبشه. فقد جئت إلى هذا المصيف، فحيرتي منه أمر الرغيف، فهو تارة كالحندويل! وتارة كعيش بردويل (أسم بلد). الرمل في خلاياه شائع، وعجينه صائص مائع، والأمعاء - أجارك الله من هذا وذاك - لا تقوى على هضمه، والأسنان لا تقدر على قضمه وقد تفضل السيد ببعض (عيشه) فهرعنا إلى عشه، وما زلنا به نستجير، وهو نعم المجير، ثم صدنا الحياء عن ورده، فعدلنا عن قصده. ودلنا جيران السوء على عجوز في أقصى المصيف. قالوا إنها تحسن صنع الرغيف، فأحضرنا لها الدقيق، فظهر أنه من السويق، وخلطته - لا بارك الله فيها - بالرمل والتراب، فجاء كعيش الغراب، وقد عافته نفسي، بعد أن أذهب أنسى،