أحياناُ، وتحمل الرمال والغبار، فتكون سبباُ من أسباب الضيق والبلاء. . إلا أن هذا لا يحدث في غير أيام الخماسين، حيث تعم الشكوى في مصر من هذه الأيام
والإسماعيلية مدينة محدودة لها أول، ولها آخر. ولعلك تعجب حين تعلم أن الناحية البحرية منها لها سور حديدي يؤذن بانتهاء المدينة في هذا المكان. . وهي مدينة إفرنجية بأوسع ما تحمله هذه الكلمة من معان، حتى أن السائر في بعض شوارعها يعتقد انه يسير في بلد أوروبي صميم، لا في شارع من شوارع مدينة مصرية ومرجع ذلك أن شركة القناة هي التي وضعت تصميم هذه المدينة، وجعلها في الأصل قسمين: أولهما حي الفرنجة، وثانيهما حي العرب، وهما يقعان شرقي الخط الحديدي من القاهرة إلى بور سعيد، وغرب ترعة الإسماعيلية التي استفادت منها الشركة في تجميل المدينة إلى أبعد حد. ذلك أنها بنت على طول شاطئ هذه الترعة الغربي القصور الفخمة لموظفيها، وكبار رجالها، وعلى هذا الشاطئ يقع شارع (محمد علي) وهو أطول شوارع المدينة على الإطلاق، وأكثرها اتساعا وأهمية
وغرست الأشجار على الشاطئين في نظام جميل، وبخاصة شاطئ الترعة الغربي حيث تمتد الحدائق إلى شاطئ بحيرة التمساح في صورة غابات كثيفة رهيبة من أشجار (الكزورين) و (اللاتانية) و (الكافور) وغير ذلك من الأشجار الضخمة التي جعلت الغابة ستارا كثيفا يحجب الشمس في أيام الصيف القائض أن تصل إلى المتنزهين والمرتاضين، في أية ساعة من ساعات النهار
وما أجمل بحيرة التمساح تلك البحيرة الهادئة الوادعة التي تنساب فوقها المراكب الشراعية الصغيرة، والقوارب البخارية هنا وهناك، وكأنها الحمائم البيض فوق صفحة لا يهيجها موج، ولا يعكر صفوها ريح عاصفة - وما أجمل بحيرة التمساح حين تمر بها البواخر الكبيرة الذاهبة إلى البحر الأحمر، والآتية منه، وكأنها مدن كبيرة تتحرك ببطء وتثاقل، كأنها تحمل أوزار العالم وآلام الوجود
وحدائق الإسماعيلية ذات شهرة عالمية، ذلك لأن اليد الفرنسية التي تمتاز بالذوق والجمال، قد افتنت في تنسيقها، وأبدعت في تنظيمها فصارت طرفة فنية تأخذ بمجامع القلوب ولكن لا يتمتع بها غير الأجانب التي لا تخلوا منهم الحدائق في أية ساعة من ساعات النهار. .