للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

نعرف لها أول من آخر. وبجهود عمالنا نحن المصريين الذين يكدون ويكدحون لقاء ما يأخذونه من أجر زهيد لا يكاد يقع موقعا من كفايتهم!

والحي العربي ليس في نظافة سابقه، وإن كانت شوارعه مرصوفة إلا أن فيه الفوضى المصرية سواء في المناول أو الدكاكين. وعلى البلدية تبعة ثقيلة جدا، ولنا معها حساب عسير، وذلك أنها لم تعمم المجاري بهذا الحي المسكين، فلم يخل شارع من شوارعه الكبيرة أو الصغيرة على السواء من أقذار يتراكم عليها الذباب، ومياه قذرة منتنة تلقى من النوافذ إذا جن الليل كأفواه القرب، أو تخرج بها النسوة والفتيات من الأبواب، أو تفيض بها أكثر الأحايين دورات المياه، حاملة معها الوباء العاجل والخطر الماحق والدمار الأليم. .

وغربي السكة الحديدية ثلاثة أحياء اخرى، دعت إليها سنة التطور وكثرت الزحام في الإسماعيلية! أولهما (عرايشية لندن) ولا تعجب لهذه التسمية فهو حي إنجليزي لحما ودما، بنيت عمائره بأيدي مصرية وضع فيها الذهب أو بعبارة أدق (الحبر على الورق) أيدي الإنجليز، وفي كل عمار من عمائره تقطن عشرات من الأسر الإنجليزية الصميمة التي نزحت إلى هذا القطر المسكين، لتشاطر أهله غلات أرضه وثماره، بل تستأثر دونهم بأطيب هذه الثمرات وخير هذه الغلات. . .

وثانيهما (عرايشة مصر) وهو حي متوسط يسكنه كثير من المصريين ذو الدخل العادي، ويشبه من وجوه كثيرة حي العرب في الناحية الشرقية الثالث (عراشية العبيد) وهو حي فقير، تسكنه الطبقات الفقيرة العاملة الكادحة في هذه المدينة الزاخرة بالناس من جميع الألوان والأشكال، والتي تفيض بالذهب في كل ناحية من نواحيها، ومع هذا لا يكاد يسمع الفقير رنين هذا الذهب ليجد منه السلوى والعزاء.!

هل كتب على المصريين أن يعيشوا دائماُ على هامش الحياة دون أن يفهموا شئُ من حقيقتها وإن طال بهم العمر وأمتد بهم الأجل!! إن الفقر ليس علة العلل كما يدعي بعض الناس، وإنما هو الجهل الفاضح بأسرار الكون، وحقيقة الوجود، وإلا ماذا تكلفنا النزهة اليومية ساعة كل يوم ومعنا أبناؤنا نتمتع فيها بالنسيم والهواء، والخضرة والماء، والجمال والصفاء؟!

عبد الحفيظ أبو السعود

<<  <  ج:
ص:  >  >>