للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مذ ما فقدتك والحشا متسعر ... والجسم منتحل من الضراء

ياكنز آمالي وذخر مطالبي ... وسعود إقبالي وعين سنائي

يا طب آلامي ومرهم قرحتي ... وغذاء روحي بل ونهر غنائي

أبتاه قد جرعتني كأس النوى ... يا مر جرعته على أحشائي

أبتاه قد حش الفراق حشاشتي ... هل يرتضي الشفوق جفائي

فإذا قرأت هذه الأبيات شعرت بأن امرأة تقف أمامك وقد تدفقت منها الدموع. وهي تتحسر وتتوجع وتئن وتتألم لما أصابها من خطب وحل بها من كرب

ورثت شقيقتها بقصيدة مطلعها:

يا من أتى للقبر يقرأ طرسه ... مهلا فليس كتابه بمداد

وقد ذكرت كذلك في هذه القصيدة عيادة الطبيب لأختها ونظمت على لسان تلك الأخت ابياتاُ مؤثرة إلى حد بعيد فقالت:

جاء الطبيب يجس نبض ذراعها ... فرأى التأثر ليس كالمعتاد

فتنفس الصعداء مرات وقد ... أعيي، وقال اليوم ضل رشادي

فتنهدت جزعاُ، وقالت سيدي ... أأموت قبل الترب والأنداد

وأسير من دون الأنام وكم أرى ... للدهر قبل الموت من رواد

ثم انتقلت بعد هذا إلى تصوير شعورها الفياض بالحزن على ما أصابها من موت أختها

والملاحظ في رثائها لبنتها ووالدها وشقيقتها أنه تضمن صورة واحدة، تلك هي مجيء الطبيب ويأسه من شفاء المريض وعجزه عن علاجه. ثم تأتي بعد ذلك محاورة بين المريض والطبيب أو بين المريض والشاعرة كما حدث لها مع بنتها، ونرى في هذه المحاورة شعراُ رائعاُ يترجم عن إحساس عميق ويعرب عن شعور متقد بين الجوانح. وهذا شيء لا نراه عند غيرها من الشعراء. فهي قد انفردت به وتميزت عن سواها ممن يقولون الشعر. وذلك راجع إلى طبيعتها الأنثوية، فإن المرأة التي تشرف على علاج المريض وتسهر الليالي في خدمته وتسمع شكواه وأنينه فكان لها من طبيعتها ما جعلها تأتي بهذه الصورة الجديدة. ولم نر شاعراُ في عصرها وفق إلى مثل هذه الصورة غير صالح مجدي في رثائه لزوجته، وذلك لأنه كان يعالجها بالبخور والتمائن والرقي فلما ماتت صور هذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>