وضح النهار، والأشباح في غبش الظلام؛ والآذان في تتبع الأصوات من مصادرها، وأصدائها البعيدة المديدة، والحيوان والإنسان في الطلوع والنزول. . ومقارنة هذا كله بعضه ببعض من حركات بين السماء والأرض؛ والعالي والسافل، من فوق إلى تحت. . هذه المدركات لابد أن ينتقل بها المنطق الإنساني من المحسوس إلى المعقول، أو من المادة إلى المعنى، ومن المدرك إلى المجرد، ومن الأشباح إلى الأرواح، فكان الإنسان - تبعا لذلك - همزة الوصل بينهما. ومصداق ذلك العلياء رأس الجبل وهي أوسع ما علا من الشيء، وهي أسم من أسماء السماء.
والمفهوم أن الفكر الأمم قد تراوح على مر العصور بين الأرض والسماء، وبين الثرى والثريا، والسماك والسمك، وتنقل بين مطالب المادة والروح. وهنا نعرض نماذج موجزة لهذه النقل قالوا. فلان خطير النفس، بعيد مرتقي الهمة، وأنه ليسموا إلى معالي الآن، ويصبوا إلى شريف المطالب، وتنزع همته إلى سني المراتب. وأنه لطلاع ثنايا (وهي الطرق في الجبال) ويؤم معالي الأمور، يجري في غلاء المجد، ويتسور شرفات العز، وفلان بنى له مجداً مؤثلا (راسخا) وتفرع (صعد) ذروة المعالي، ووثب إلى قمة الشرف، وعلى العكس من ذلك قالوا. فلان قاعد الهمة، عاجز الرأي، متخاذل العزم، لا تسموا همته إلى منقبة، ولا يدفعه طبعه إلى مكرمة، وقد استوطن مهاد الخمول، وأخلد إلى الصغار واستنام إلى الضعة، ورضى من دهره بالدون، وقعد عن ما تسموا الأمور النفوس العزيزة، وترقى الأمور الهمم الشريفة.
وفي العزة يقولون. عزيز الجانب، منيع الحوزة؛ حصين الناحية، وفلان أقام تحت ضلال العز، وبلغ عزا لا يقرع الدهر مروته ولا يفصم عروته ولا ينقض مرته، ولا يزال كعبه عاليا وهو أعلى عينا.
وفي النباهة يقولون: ذهب سمعه في الناس، وتجاوب بصدى ذكره المحافل، ورن صيته في الأقطار، وهو اشهر من القمر، واشهر من نار على علم (جبل)، وعلى الضد من ذلك: وهو خامل الذكر، ضئيل الحسب مغمور النسب، وهو نكرة من النكرات وغافل من