بأوربا، وهاجروا بعقائدهم وحرياتهم إلى وطنهم الجديد في أمريكا، ومن ثم كانوا حريصين اشد الحرص على الاحتفاظ بحرياتهم كاملة غير منقوصة. وتستطيع أم تتصور مدى النضال ومدى الخلاف إذا علمت أن سكان الجمهورية الناشئة كانوا من الإنجليز والفرنسيين والروسيين والهولنديين والبولنديين وغيرهم، ولكن خفف من حدة الخلاف أن هؤلاء المهاجرين قد اصبحوا أمريكان، (من هو الأمريكي؟) سؤال أجاب عليه مزارع أمريكي فقال: (هو أما أوربي إنها من سلالة أوربية) ومن هنا جاء المزيج العجيب الذي لا تجده في بلد آخر. . . إذ يمكنني أم أشير إلى أسرة كان الجد فيها إنجليزيا وزوجته هولندية وتزوج ابنه من فرنسية، ولأبنائه الأربعة الآن أربع زوجات ينتمين إلى أربع أمم مختلفة. إنه أمريكي، قد طرح وراءه عاداته وعصبيته القديمة، وهو الآن يتلقى عادات من أسلوب الحياة الجديدة الذي احتضنه، ومن الحكومة الجديدة التي يطيعها، ومن المكانة الجديدة التي يتبوأها.
وبلغ من حرص الولايات على استقلالها أن ولاية رود أيلند رفضت أن ترسل عنها نواب إلى المؤتمر الدستوري الذي عقدته لوضع دستور الجمهورية في فلادلفيا خوفا من أن يتعرض استقلالها للخطر إذا قامت حكومة قوية. وأخيرا انتهى الأفاق بقيام نظام حكومي جديد للجمهورية الناشئة على أساس أن تحتفظ كل ولاية باستقلالها الذاتي، وان تقوم حكومة مشتركة تدفع عن الولايات أو اعتداء وتدافع عن مصالح الدولة الخارجية، وهكذا قامت دولة الولايات المتحدة. ويشير توماس جفرسن ١٧٩٠ إلى المعنى السابق فيقول (لكل إنسان، ولكل جماعة من الناس تعيش على الأرض الحق في الحكم الذاتي).
نظام الحكم في الولاية:
إن النظام الحكومي القائم في جمهورية الولايات المتحدة من أحسن الأمثلة للأنظمة الديمقراطية وأروعها، سواء في حكم الولاية أو في الحكومة المركزية بواشنطن. يعرف المؤرخون الديمقراطية بأنها حكومة الشعب ينتخبها الشعب وتعمل لمصلحة الشعب. وهذا التعريف ينطبق تماما على نظام الولايات المتحدة الحكومي.
فلكل ولاية مدير (حاكم) وهو ينتخب بالاقتراع العام، ومدة حكمه في نصف الولايات تقريبا سنتان، وفي النصف الآخر أربع سنين.