فإذا سكتت الأصوات كلها فهناك صوت لا يمكن إسكاته وهو صوت المعدات الخاوية للملايين التي تملأ جنبات هذا الوادي فهنا ملايين تبذل العرق والدم ولا تنال مقابلها لقمة الخبز جافة ولا خرقة الكساء متواضعة (وهذا صوت جموع من الأحياء ما عرفت الشيوعية ولا غيرها ولكنها جائعة عارية مسختها تلك الأوضاع الاجتماعية الظالمة فحرمت حتى حاسة الإحساس بالظلم، وحتى شعور الإنسان بالحرمان بينما الشرف الفاجر الداعر يعربد في المواخير والقصور والذهب المتجمد من دماء الملايين يبعثر على الموائد الخضراء وفي حجور الغواني).
ثم شرع المؤلف يتهم هذه الأوضاع الاجتماعية فقال: تنفذ، ولكن التنفيذ يحتاج إلى المال والمال في أيدي الرأسماليين والدولة تشفق إليه تحمل رؤوس الأموال نصيبها الواجب من الأعباء لأنها لا تمثل الجماهير المحتاجة، بل رؤوس الأموال ويضاف إلى ذلك إليه الدولة فقيرة وغير جادة، وأداتها الإدارية فاسدة أفسدتها الاستثناءات والمحسوبيات وسوء النظام وبلادة الروتين والرشوة وخراب الذمة. والأثرياء الذين نمثلهم قد بشموا ثراء وعجزوا عن تصريف نما في أيديهم من ثروات، وبعد كل هذا
أولا - بأنها تشل قوى الآمة على العمل والإنتاج، وتشيع فيها التعطل فتضعف عن مواجهة الأخطار الداخلية والخارجية وهي تتزايد على مر الأيام. وعلة العلل في كل هذا هي سوء توزيع الأرض، فلا تزال موزعة كما كانت في اظلم عهود الإقطاع، ومحتكرة في أيدي قليلة لا تستغلها استغلالا كاملا ولا تدعها في أيدي القادرين على الاستغلال، وهم لا يملكون شيئا مع هذا، فالأرض الصالحة للزراعة يمكن إليه تتضاعف لو إن مشروعات الري والصرف فالدولة مشغولة بالصراع الحزبي في حلبة الأقزام التي أقامها الاستعمار منذ ربع قرن باسم الدستور ووقف يتفرج ويتسلى وهي فوق هذا مشغولة بحماية تلك الأوضاع الشاذة. .
وعدا هذا يقال (الآمة مصدر السلطات) ويتكلمون عن حق الانتخاب وحرية الاختيار، وهي خرافة لا تستحق المناقشة فهذه الآمة (مصدر السلطات) هي تلك الملايين الجائعة الجاهلة المستغفلة يشير لها السادة فتنتخب، ويشيرون لها فتمتنع لأنهم خزنة أملاكها وملاك الإقطاع الذي يؤوي الجياع. . فالحديث عن الدساتير والبرلمانات تصلح مادة فكاهة يتسلى بها