العنتري النادر أو كما يقول شاعر قديم:
شباب قنع لا خير فيهم ... وبورك في الشباب الطامحينا
وأصحاب المعالي من القوة بحيث يتفاوتون في درجات التصعيد، كل على حسب طاقته من التصميم على إدراك الغاية: فهذا النابغة الذبياني يمدح عمرو بن الحارث_ألا أنعم صباحاً، أيها الملك المبارك، السماء غطاؤك، والأرض وطاؤك. . والسخاء ظهارتك، والحمية بطانتك، والعلا غايتك.) وتلازمه هذه النزعة حتى وهو يمدح النعمان بن المنذر ملك العرب:
كأنك شمس والملوك كواكب ... إذا طلعت لم يبد منهن كوكب
هذا في حين نرى عنترة - وهو الباطش الشديد - يتوعد النعمان بهذا الشعر المليء بالذخيرة، المفعم باللهيب، المختضب بالدماء:
اليوم تعلم يا نعمان أي فتى ... يلقى أخاك الذي قدر غره العصب
فتى يخوض غمار الحرب مبتسماً ... وينثني وسنان الرمح مختضب
إن سل صارمه سالت مضاربه ... وأشرق الجو وانشقت له الحجب
والخيل تشهد لي أني أكفكفها ... والطعن مثل شرار النار يلتهب
والنقع يوم طراد الخيل يشهد لي ... والضرب والطعن والأقلام والكتب
ومن هنا نرى الفرق بين النعمان وعنترة في القدرة على التصعيد في طلب المعاني النادرة، والامتزاج بالطبيعة في توليد القوى الدافعة الرافعة معاً.
وهذا ابن المنير الطرابلسي ينزل القمر - كرمز للجمال - من السماء إلى الأرض فيقول:
وأنزل النير الأعلى إلى فلك ... مداره في القباء الخسوراني
ومثله في هذا محمد بن وهيب إذ يقول:
ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتهم ... شمس الضحى وأبو إسحاق والقمر
وكان زهير بن أبي سلمى - على تقواه وروعه وسيادته وغناه - من دعاة المغامرة في طلب العزة ولو لقي في ذلك حتفه، قال يمدح الرجلين الساعيين في إصلاح ذات البين بين عبس وذبيان، وذلك كنز من المجد يرفع صاحبه: قال:
عظيمتين في عليا معد هديتما ... ومن يستبح كنزاً من المجد يعظم