لهؤلاء: لا! لن نسمح لكم بأن تديروا المعركة على أشلائنا وحطامنا. إننا لن ندع مواردنا تخدم مطامعكم، ولن ندع أجسادنا تطهر حقول ألغامكم، ولن نسلمكم رقابنا كالخراف والجداء!
إن هذا وحده هو الذي يعيد إلى الأدمغة المحمومة شيئاً من الهدوء، والى الخطوات المجنونة شيئاً من الاتزان، ثم يشعر هؤلاء وهؤلاء أن في هذه الرقعة الفسيحة الضخمة الهامة ناساً، يحسب لهم حساب، لا كميات مهملة، ولا ماشية وأذناب.
وإن الذين استعمرت دعايات الكتلتين أرواحهم ليقولون: إن هذا مستحيل ما إليه من سبيل، فنحن لا نملك القوة التي نقف بها حاجزاً بين الكتلتين، وستدوسنا الأقدام من هنا أو من هناك، ولا يغني عنا أن نعلن الحياد، أو أن ننضم إلى هذا أو ذاك.
وأنا أدرك كيف تستعمر الدعاية الأرواح والأذهان، ولكني لا أدرك كيف يهون الناس على أنفسهم إلى هذا الحد الزري، وكيف لا يخجلون أن يصبحوا بإرادتهم عبيداً وأشياء.
إن جيشنا ما لا يأمن أن يدير المعركة في أرض معادية؛ يتربص به أهلها الدوائر، ويتلفون ذخيرته ومؤنه؛ ويقطعون خطوطه ومواصلاته؛ ويتجسسون عليه للعدو؛ ويحرمونه الهدوء والراحة؛ سواء سالمهم فتركهم إلى ما هم فيه، أو تولى الحملة عليهم، ليواجه الثورة الداخلية بينما هو يواجه الأعداء في الميدان.
ولقد هزم الجيش الألماني الظافر مرتين بسبب الثورات والانتفاضات الداخلية، قبل أن يهزم في ميادين القتال. وما من جيش يواجه عداء الشعوب وهو آمن في قديم الحروب أو حديثها، وما يؤمن بذلك إلا المستغفلون الأذلاء!
إن هذه الشعوب التي تعد مئات الملايين، والتي تتحكم مواقعها الاستراتيجية في نتائج أية حرب عالمية؛ وتتحكم مواردها الطبيعية في النصر والهزيمة. . إن هذه الشعوب لا تعجز عن شيء حين تريد، وكل قول غير هذا هراء!