والجيش الجهادي مطلق الأيادي ... ألحق الأعادي في بني ثمود
والسور العظيم صار كالرميم ... وانثنى الغريم يلطم الخدود
أول النهار خيم الغبار ... وانتهى الحصار وابتدأ الصعود
ذاك اليوم كان أوحد الزمان ... لا تسل فلان، الدنيا شهود
أيها القدير أيد الوزير ... الغازي الشهير وأعطه الخلود
ما كان الشاعر متغالياً ولا متزلفاً في مدحه هذا القائد الفذ، وإنما كان عشقاً له معجباً به ولا سيما بعد أن صحبه مدة، وعرف مراميه ونزعاته، وقد أعلن الأمان على الجدران في إعلانات خاصة عند ابتداء الفتح ودخوله القدس، وأخرج منادين ينادون في الطرقات بأن عدالته تشمل الجميع على السواء، وأنه يفتح قصره لسماع كل شكاة ورفع كل ظلامة - وأن جميع الطوائف حرة في معتقداتها، وممارسة طقوسها الدينية والمذهبية كيفما تريد، وأنه سيحذو في هذا السبيل حذو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، ويسير في النهج على منواله، وهذا ما حبب الشاعر به، وحبب الرعية إليه مما حز في نفوس الأمم الاستعمارية الطامعة في تركيا وجعلها تعجل بإطفاء هذا القبس المتوهج الذي لو ترك وشأنه لاهتدى بأضوائه خلق كثير. . فوضع شيخ المستعمرين العراقيل في تقدم النور، وسارع لإطفائه، حيث ألب على الفاتح العظيم شعوبه الراضية به. وأقام الثورات من خلف جيشه في سواحل لبنان. . . وفي جبل العرب أعني جبل الدروز، ونزل شيخ (الشياطين). . . من الشواطئ وأعمل المكائد في قفاه، فخشي القائد شر الفتن الداخلية والثورات المحلية وجلا عن بلاد الشام، وعاد الجيش التركي من حلب بمساعدة الشيطان الرجيم شيخ المستعمرين. . وأحتل البلاد من جديد وأخذ يتتبع خطا أتباع الباشا الفاتح، لينكل بهم ويثأر منهم، وكان شاعرنا في طليعة المغضوب عليهم فما نجاه من حمل المشنقة سوى فراره إلى مصر مع القائد الكبير. . . فوجد هناك في القاهرة آفاقاً جديدة في سخاء الشعر مفتحة أمامه فحلق في أجوائها كل محلق، وتعرف على أدبائها وشعرائها وأمتدح أمراءها وزعمائها ومدح مآثرها ومساجدها وحصونها وقلاعها، والديوان مفعم بمآثر مصر الخالدة، ولقد أمتدح قلعة محمد علي باشا الكبير بقصيدة عامرة تقع في (٣٢) بيتاً أختزل منها بعض أبيات لضيق لأبرهن بها على تأثير هذه الآفاق الجديدة في نفسه: