التحقيق شهيد هذا الأسبوع. . هذا الاسم الواحد هو النموذج الصارخ الذي يشير إلى غيره من النماذج، أو هو المثل الواضح الذي يدل على غيره من الأمثال، وأستمع يا سيدي لقصة هذا الشهيد:
شاب من هؤلاء الشباب المخلصين لنشر التراث العربي القديم: يسعى إلى نوادر مخطوطاته في كل مكتبة هنا وكل مكتبة هناك، ويمنحها من وقته وجهده وماله فوق ما يحمل طوق أمثاله ممن يجودون في سبيل العلم بالوقت والجهد والمال. . عمل جليل كما ترى، ومع ذلك فقد ظلمته وزارة المعارف حين نسيت جهده أو تناسته، أو حين جهلت قدره أو تجاهلته! ظلمته حين وضعته في مكان غير مكانه، هناك حيث ترهق الأعصاب وتخور الهمم وتخمد الأنفاس، وهناك حيث قدر له أن (يلقن) أطفالاً أكثرهم من أبناء الأجانب (مبادئ) القراءة والكتابة باللغة العربية. . أرأيت يا سيدي الأستاذ؟ أرأيت كيف تجبر وزارة المعارف أديباً على أن يقضي أكثر وقته مع (أطفال) يقوم منهم نطق اللسان، ثم لا تتيح له من هذا الوقت إلا أقله ليقضيه مع (رجال) من طراز أبي الفرج أو أبي حيان؟!
لقد قضت وزارة المعارف أن ينفق الأستاذ السيد أحمد صقر سبع سنوات من عمره في مدارس الليسيه الفرنسية. . وكأنما أرادت بعد هذا العمر الطويل أن تكافئه على ما قدم من جهود وما بذل من تضحيات، فأمرت منذ أيام بنقله إلى أقاصي الصعيد ليستقر مرة أخرى بين أطفال مدرسة (كوم أمبو) الابتدائية! أعذرني يا صاحب المعالي إذا تعثر القلم في يدي وتنزت الأفكار في رأسي واستحالت الكلمات إلى صرخات: من المسئول أمام الله حين تفرق وزارة المعارف بين هذا الأديب وبين أولاده الصغار الذين يتعلمون في مدارس القاهرة، وهو يقوم منهم مقام الأب والأم التي فارقت الحياة وتركتهم وديعة بين يديه؟! ومن المسئول أمام التاريخ - تاريخ الأدب على الأقل - حين يلقى الأدباء على يد وزارة المعارف مثل هذا الغبن ويتعرضون لمثل هذا الهوان؟! إن الحياء يمنعني من اتهامك، ولكن الحق يدفعني إلى هذا الاتهام. لماذا؟ لأنك لو شملت الأدباء بعطفك، وأفضت عليهم من برك، وقربتهم منك حتى تعرف من منهم مهضوم الحق ومن منهم مظلوم المصير، لما أهملت وزارة المعارف شأنهم وجحدت فضلهم وتركتهم نهباً لمتاعب الأيام. . من هنا يا سيدي - وأغفر للشعور ثورته وللقلم جرأته - تأتي مسئوليتك أمام الله وأمام التاريخ، لأنك