بنا نصبح من أول مراسلتنا أصدقاء، ولا عجب فالأدباء إخوان وأقارب تجمعهم رابطة الفن قبل رابطة الدم والقرابة. ورحم الله أستاذ الشعراء حيث يقول:
إن يكد مطرف الإخاء فإننا ... نغدو ونسري في إخاء تالد
أو يختلف ماء الوصال فماؤنا ... عذب تحدر من الغمام واحد
أو يفترق نسب يؤلف بيننا ... أدب أقمناه مقام الوالد
وأمضى أنا إلى باريس ومن باريس أكتب إليه ثم أعود لأشكو له مأساتي فإذا به يقف مني ذلك الموقف المشرف النبيل الذي يفسد عليه صداقة الوزير في سبيل الأدب، وفي سبيل إنصاف شاعر، وآنذاك تتجلى لي أخلاق المعداوي على حقيقته أخلاق سافرة للعيان، وإذا به قلب كبير وروح مثالية تضحي بكل شيء في سبيل الأدب، ومن ذلك الوقت وأنا لا أشك بأن أحكامه في الأدب والنقد والفن لا تصدر إلا عن دراية وثقافة وحق وخبرة واطلاع، ثم تمر الأسابيع وإذا ببريد الكنانة يحمل لي من الصديق الحبيب كتباه الثمين الذي رسمت به هذا العنوان. والكتاب من الحجم الكبير يقع في (٢٥٠) صفحة طبعته لجنة النشر للجامعيين على نفقتها الخاصة، وقد تصفحته بإمعان فإذا يحتوي على (٤٠) مقالة في مختلف الفنون و (١٠) منها عن نقد الكتب. . وقد قلت إن تلك الصفحات الفذة في تاريخ النقد في مصر والتي ضمنها الكتاب قد نشرت في مجلة الرسالة الغراء، واطلع عليها القراء في جميع البلاد الناطقة بلغة القرآن، ولكن يسرني أن أشير في هذه الكلمة العاجلة إلى بعضها.
أسلوب المعداوي في هذا الكتاب وفي جميع ما يكتب رصين سهل: لفظ رقيق وديباجة جزلة أنيقة، وهو كما قال فيه أستاذنا الزيات بك في افتتاحيته العظيمة عدد ٩٤٨ من الرسالة.
(أسلوب المعداوي كما تراه في كتابه من الأساليب التي جاء فيه التأليف بين المعنى واللفظ جارياً على سنن الفن الصحيح؛ فالتفكير قوي عصي حار، والتعبير دقيق أنيق نهذب)
أما آراؤه فناضجة قويمة تقوم على العقل والعاطفة والتجربة والاطلاع، فمن مقالاته التي تغلب عليها العاطفة وأناقة اللفظ حتى لتنسيك نفسك وتأخذك إلى عالم الكاتب والسطور، (شاعرية مصرية تودع الحياة) و (من الأعماق) ولتقف لحظة لنقرأ مرة أخرى قوله في من