يحسب أن لم يره أحد؟ ألم نجعل له عينين، ولساناً وشفتين، وهديناه النجدين، فلا أقتحم العقبة، وما أدراك مل العقبة، فك رقبة، أو إطعام في يوم ذي مسغبة، يتيماً ذا مقربة، أو مسكيناً ذا متربة، ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر، وتواصوا بالمرحمة، أولئك أصحاب الميمنة، والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشئمة، عليهم نار مؤصدة).
ولقد قص علينا القرآن الكريم قصة سبأ، أولئك الذين غمرهم الله بنعمه فما شكروه، ووهب لهم حياة طيبة فتهربوا من ضريبة الإنسانية، وكان جزاؤهم، أن سلبهم الله النعم، وأبدلهم بحياتهم الطيبة حياة تعسة، وجعلهم عبرة وعظة للأجيال من بعدهم:
(لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال، كلوا من رزق ربكم واشكروا له، بلدة طيبة ورب غفور. فأعرضوا، فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل، ذلك جزيناهم بما كفروا، وهل نجازي إلا الكفور؟ وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة، وقدرنا فيها السير، سيروا فيها ليالي وأياماً آمنين، فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم، فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق. . إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور).
وهناك إنسان يعيش في حياته كما تعيش الأنعام، يأكل ويشرب ويتمتع وكفى، ولا يشعر بوجوده كعضو في المجتمع يجب أن يؤدي نحوه واجباً، ويجهل أن للإنسانية ضريبة على كل فرد منتسب إليها، وهذه الضريبة لا يعجز عنها غني أو فقير، فالغني يستطيع أن يبذل من ماله في سبيل الخير، والفقير يستطيع أن يبذل شيئاً من وقته، فيحث الأغنياء على التصدق؛ ويدفع بهم إلى طريق البر، ويأمر بالمعروف ما وسعه الجهد، ويعمل إن استطاع في كل لحظة للإصلاح بين الناس. وقد سد القرآن الكريم أبواب الأعذار أمام العاجز عن أن يؤدي الضريبة من ماله، وفتح له طرقاً من الخير يستطيع أن يسلكها دون احتياج إلى شيء من المال، وأعتبر المتقاعد عن سلوك هذه الطرق محذوفاً من المجتمع، ومن المهملين الذين لا خير لهم في وجودهم، ولا فائدة من حياتهم:
(لا خير في كثير من نجواهم، إلا من أمر بصدقة، أو معروف، أو إصلاح بين الناس، ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً).