للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الفرائض كما قرأ مقدمات الفقه الحنفي. ولم يبلغ الربيع العاشر من عمره الزاهر حتى أحاط علماً بالنحو والفقه والمنطق والعلوم الأخرى. لقد تشبع فتانا الألوسي في باكورة عمره من منهل العلم. إن روحه في هيام دائم مهما بلغ تحصيله العلمي. . . وعلى هذا القياس فقد تتلمذ على جلة علماء البلد كعلي السويدي ومحمد أمين الحلي وخالد النقشبندي وعبد العزيز الشواف وعلي المزوري العماري وحصل على الإجازة العالمية من رئيس محدثي الشام في عصره عبد الرحمن الكزبري ومن مفتي بيروت عبد اللطيف فتح الله.

إن الألوسي - كما نرى - تتلمذ على جلة علماء بلده بغداد، وحصل على الإجازة بالعلم من علماء سورية ولبنان. . وقد عثرت على أوراق مخطوطة كتبها الألوسي المترجم له، ونقلها عنه أحد الألوسيين الآخرين، وهذه الأوراق تلقى ضوءاً نفاذاً على هذه الفترة من حياة الألوسي، إذ قال في بعض منها يصف حاله حين تحصيله العلمي، ويذكر فيها وفاة أمه وحنو والده عليه: (وقد ماتت أمي قبله، عليه الرحمة، بعدة سنين، فازداد حنوه علي بعدها، بيد أنه لضيق ذات يده لم يوسع أكمامي، ولم يجعلني أباهي بأثوابي أبناء أخوالي وأعمامي. . ومما اتفق أن بعث ثياب الشتاء لشراء قرطاس، وطالعت على نور القمر حيث أعوزني نبراس، وكم قاسيت من شدائد، تذيب لا در درها الجلامد.)

من هذه السطور نلمح الألوسي الفتى الذي فقد أمه فوجد أباه أماً له وأباً في حنوه ورعايته وحدبه؛ بيد أن فقر أبيه منعه من التنعم في شبابه باللباس واللذات، شأنه شأن الشباب في كل جيل. وفي الفقرات الأخيرة من هذه السطور، حيث يبيع الألوسي الشاب ثياب الشتاء ليشتري بثمنها أوراقاً يستعين بها في دراسته وشؤونه العلمية ويدرس على ضوء القمر، ما يقرأه في النهار على شيوخه. . . من هذه السطور تعلم درجة فقر هذه العائلة الكريمة التي اتخذت سبيل العلم رسالتها في الحياة، كما نرى أن الإرادة القوية والصبر على احتمال المكاره، والحيلة في الخروج من المآزق، طرق مستقيمة في الوصول إلى المطالب والغايات، وهذه قد سار فيها الألوسي فكان فيها الأمثولة والقدوة. والأستاذ الأخير الذي تتلمذ عليه أبوالثناء وأرتشف من مناهل علمه وفضله هو الشيخ علي علاء الدين الموصلي الذي مكث يتتلمذ عليه أربع عشرة سنة كان له فيها خير معين على تفهم دقائق العلوم المنقول منها والمعقول. وأستاذه الشيخ الموصلي كان حاد الذكاء، حاد المزاج معاً، ولهذا نرى قلة

<<  <  ج:
ص:  >  >>