إذ لبس بزة الإفتاء في ١٦ ذي القعدة سنة ١٢٥٠ وبعد ما شاع لهذا الخبر الذي فرح به أنصاره واستاء له أعداؤه وحساده، هنأ الشعراء والأدباء والعلماء الذين شغفوا بالألوسي الكبير حباً وولاء. وها نحن ننقل أبياتاً من قصيدتين لشاعري العراق في ذلك الحين وهما عبد الباقي العمري وعبد الغفار الأخرس يؤرخان الإفتاء ويمدحان المفتي. وقال الأول:
كالبدر طلعته والبحر راحته ... والعزم والحزم مثل النار والجبل
لو شاء باحث أهل العلم قاطبة ... عن المذاهب والأديان والملل
يا من به لاذت الفتوى فسجلها ... وصانها عن جميع الزيغ والزلل
من عين كل عدو يا مؤرخة ... (محمود) قد يحرس الفتوى بعين (علي)
وفي عجز البيت الأخير الذي أرخ سنة الفتوى تورية لطيفة باسمي الوالي والمفتي. وقال الأخرس البغدادي:
إن الشريعة فيك لابس تاجها ... قوم وحامل سيفها صنديد
وتتوف في كل العلوم فأرخوا ... (نوفت بالإفتاء يا محمود)
والألوسي الكبير بعد أن نال هذه الرتب العالية التي لا تصلح إلا له، وليس يصلح إلا لها - كما قال أبو العتاهية الشاعر وردت أسئلة علمية دقيقة من علماء فارس وفطاحل إيران، إلى علماء بغداد يطلبون إجابتها وحل غوامضها، فأجاب عليها شهاب الدين مفتي بغداد، جوابا شافياً مقنعاً أسكت السائلين والمتحدين برسالة علمية جليلة، وبعد أن ذهب رسول علماء فارس جاءت الألوسي الكبير رسالة تهنئة مشفوعة بوسام سلطاني (نشان افتخار) من (استنبول) فزين صدر الألوسي بالوسام، أو أزدان الوسام بصدر الألوسي.
تقلد الألوسي رتبة الإفتاء، ونال الرتب العلمية العالية، وهو لم يتجاوز الثلاثين ربيعاً إلا قليلاً، فكانت صفحة جديدة من حياته تطفح بالهناء والسعادة، نالها الألوسي الكبير - وهو الأهل لها - بصبره ومصابرته وقابليته العلمية. وفي هذه الفترة من حياة الألوسي اشترى داراً فخمة في أشهر محلات بغداد (محلة العاقولية) كما جلب له الخدم والحاشية، على الأصول المتبعة في عصره. والألوسي مع ما نال من اسم وثراء ومكانة اجتماعية، لم ينس إخوانه وأبناءه رجال العلم وطلبته، بل على العكس ازدادت رعايته لهم، وعنايته بهم، إذ خصص قسماً من داره الكبيرة للطلبة الغرباء يقدم لهم فيه الغذاء والكتب والخدمات الأخرى