التربية الاجتماعية ويحلها مكاناً سامياً ويفرض على المشتغلين بالتربية الاهتمام بها.
إن الإنسان اجتماعي ولذلك يحتاج إلى معرفة كيفية الحياة في هذا المجتمع حتى يستطيع الاندماج فيه والتآلف مع أفراده وتكييف نفسه حسب ظروف المجتمع الذي يوجد فيه، وهذا شرط أساسي لكي يستطيع بعد ذلك العمل باستمرار والسير في طريق التقدم. ونمو الأفراد أساس نمو المجتمع وتقدمه، وإذا كان النمو دليل الحياة في الأفراد فكذلك نجده دليلاً على حياة المجتمع.
إن رسالة المربي تستخدم التربية الاجتماعية كوسيلة من الوسائل الفعالة في نمو المجتمع.
ونحن نعني بالتربية الاجتماعية تلك التي تمكن أفراد المجتمع من التآلف بتنمية قدرتهم على التكيف حسب الظروف المحيطة بهم في المجتمع وحتى يستطيعوا مواصلة التقدم في الحياة. وهذا هو ما يحتاج إليه المجتمع الإنساني، فالتطور الذي انتهى إليه بعد قرون عديدة هو نتيجة خيرات تلك القرون، وتتعقد مشاكله حتى يقف أمامها معظم أفراد المجتمع عاجزين عن فهمها أو حتى عن محاولة التفكير في حلها أو التخلص منها. وما الأزمات والحروب التي تهدد العالم من أن لآخر إلا أعراض تعارض المصالح الإنسانية وتضاربها. وعجز الإنسان عن التخلص منها هو الدليل على ضعف التوافق الاجتماعي لديه. لقد عجز أفراد الأسرة العالمية عن تنظيم شؤونها بأنفسهم فأخذت تنحط بعد رقيها وتتأخر بعد تقدمها. ألا يدل ذلك على جهل أفرادها بالخصائص الاجتماعية الضرورية للحياة في وفاق ووئام. يجب أن تقوم التربية الاجتماعية بهذا التنظيم الاجتماعي في حدوده الضيقة داخل الأسرة وفي مجاله الكبير بين العالم. إن الذي ينقص الفرد فالأسرة فالمدينة فالدولة فالعالم هو التوافق الاجتماعي، ولو نجحت التربية في إيجاد التوافق الاجتماعي لدى الأفراد لاطرد نحو المجتمع ولأصبح العالم كله أسرة كبيرة منسجمة، يعمل أفرادها في توافق وانسجام، ويسير ركابها دائماً نحو الأمام، ولكن كيف نستطيع التربية الاجتماعية وتحقيق التوافق الاجتماعي بين الأفراد؟ إن ذلك من السهولة بمكان. لقد عاش الإنسان مع غيره من الناس فوجد أن الصدق يؤدي في النهاية إلى تقدم الجميع، فقال: إن الصدق فضيلة. ومن خبرته وجد كما وجد غيره أن الكذب رذيلة. وهكذا نشأت الأخلاق وأخذت تنمو بنمو المجتمع ذلك لأنها ضرورية لا لحياة المجتمع بل لتقدمه أيضاً. فظهور الأخلاق نتيجة حتمية لحياة