الإنسان الاجتماعية. ولابد من الأخلاق لصالح المجتمع وبدونها لا تستقيم حياته. فهي التي تحدد نوع العمل الذي يجب أن نعمله وبفضلها نستطيع أن نتبين نوع العمل الذي يجب أن لا نعمله، لا لأننا لا نرضاه فقد يكون من أحب الأعمال إلى نفوسنا، ولكن لأنه يتعارض ومصلحة المجتمع الذي نعيش فيه. الأخلاق هي الرقيب على تصرفات المجتمع وأفراده، وهي البوليس الذي يحمي المجتمع، ورجل المرور الذي يصرف حركاته. وإذا عاش المجتمع بدون أخلاق أصبح كالمدينة بدون البوليس، والشوارع بدون رجل المرور، أصبح حافلاً بالاضطراب والفوضى.
لذلك يجب أن تحتل الأخلاق مكانها اللائق في التربية. فبدون الأخلاق ينهار ما بين أفراد المجتمع من توافق اجتماعي فينهار المجتمع كله. ولهذا اهتمت الأمم الحية في جميع العصور بالأخلاق حتى أننا نجد الملحدين الذين لا يعترفون بالأديان يهتمون بالأخلاق وبالتمسك بأهدابها. ولقد قامت المذاهب الفلسفية وتعددت ولم نجد من بينها مذهباً واحداً استطاع إغفال ما للأخلاق من أهمية. بل لقد ذهبت بعض المجتمعات إلى حد تقديسها وجعلها هدف التربية الأسمى. ونحن بطبيعة الحال لا ننظر إلى التربية الخلقية إلا من حيث وضعها الطبيعي أي كوسيلة من الوسائل التي تساعد على إيجاد التوافق الاجتماعي اللازم للإنسان حتى يستطيع مواصلة نموه والسير في ركب الحياة دائماً أبداً إلى الأمام.
ولا يستطيع المؤرخ إغفال تلك الحقيقة التي يجدها ماثلة أمام عينيه باستمرار، والتي تدل على أهمية الدور الحيوي الذي تلعبه الأخلاق في المجتمع. ذلك أن عصور التدهور والانحلال في الأمم ما هي إلا نتيجة الانحلال الخلقي الذي يكون قد أصاب الأمة قبل ذلك وأخذ ينخر في عظامها حتى تقع في النهاية فريسة سهلة للانقسام الداخلي أو العدو الخارجي. وأن الفرد العادي منا ليلمس نتائج الأخلاق في حياته. إن الرجل الذي يتمسك بالأخلاق غير ذلك الذي انحلت أخلاقه فهوى إلى الحضيض. وأسرة ذات أخلاق غير أسرة لا أخلاق لها. وقد لمس الأدباء والشعراء بإحساسهم المرهف ما للأخلاق من قيمة فمجدوها ورفعوا من شأنها. فهي سر بناء الأمم:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت ... فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا