فطعم الموت في أمر حقير ... كطعم الموت في أمر عظيم
والله إني لأخو همة ... تسمو إلى المجد ولا تفتر
لا تنكري عطل الكريم من الغني ... فالسيل حرب للمكان العالي
ودهر ناسه ناس صغار ... وإن كانت لهم جثث ضخام
وما أنا منهمو بالعيش فيهم ... ولكن معدن الذهب الرغام
أي محل أرتقي ... أي عظيم أتقي
وكل ما قد خلق الله ... وما لم يخلق
محتقر في همتي ... كشعرة في مفرقي
لا أشرأب إلى ما لم يفت طمعاً ... ولا أبيت على ما فات حسرانا
في سعة الخافقين مضطرب ... وفي بلاد من أختها بدل
وترى الفتوة والمروءة والأبوة ... في كل مليحة ضراتها
هن الثلاث المانعاتي لذتي ... في خلوتي، لا الخوف من تبعاتها
وإذا كانت النفوس كباراً ... تعبت في مرادها الأجسام
من يهن يسهل الهوان عليه ... ما لجرح بميت إيلام
ذل من يغبط الذليل بعيش ... رب عيش أخف منه الحمام
ولا شك أن هذه الأبيات المختلفة وزناً وقافية وقصيداً إنما تنتظم كلها في عقد فريد للمتنبي، لا بأس من أن نطلق عليه (عقد المعالي)، لأن عمدة الشعراء بتجاربه في الحياة وتأملاته في المعالي إنما يشغل سمع الزمن، مهما تغيرت النظرات، كما أنه شاعر إنساني درج عالياً في سلم النشوء والارتقاء إلى أعلى القمم.
وهل من المعقول أن نجد تناقضاً بين نفسية البارودي وحياته، حين نقارن بين البواعث والآثار. وهو الشاعر الفارس الوزير، ورئيس الوزراء، بل وهو الذي نفى بسبب الثورة العرابية التي اتقدت نيرانها من مشاعل الوطنية مما يفخر به شعب أبي مترفع كالشعب المصري الذي أطلع أمثال البارودي رب السيف والقلم. قال:
ولي شيمة تأبى الدنايا وعزمة ... ترد لهام الجيش وهو يمور
إذا سرت فالأرض التي نحن فوقها ... مراد لمهري والمعاقل دور