ومنها:
أنا والمعالي عاشقان وطالما ... وعد الحبيب فعاقه الرقباء
ويلتقي الشيخ طنطاوي جوهري مع الساعاتي في أن الأول عاشق المعالي والآخر محب المعالي. وكذلك يلتقي مع عبد الله فكري في التوسل إلى المعالي بسهر الليالي، وإن كان يربي عليهما بالتحليق إلى آفاق أسمى وأرجاء أرحب، يقول:
محب المعالي في معاليه يسهر ... وذو الشوق في العلياء يصبو ويصبر
ألا إنما المجد المؤثل والمنى ... بأن تشرئبوا للعلا وتشمروا
ولا تقتصر إن رمت عزاً ورفعة ... على الرتب الدنيا فنفسك أكبر
فسافر لنيل المجد في كل فدفد ... ولو كانت الأسفار بالحتف تسفر
هي النفس فلتصرف عنان جوادها ... إلى قمة الأفلاك إذ هي أجدر
وخاطر ببذل الروح في كل صولة ... فنقد المنايا في المنى ليس يكبر
ولم ينل العلياء من خار عزمه ... إذا نابه أمر يذل ويضجر
وهو القائل:
أف لمن نام والعلياء ترمقه ... كم حسرة تعتريه حين يختطف
وقال كعب بن سعد الغنوي لابنه:
أعمد لما تعلو فما لك بالذي ... لا تستطيع من الأمور يدان
نرى من هذا كيف أن معالي الأمور شغلت الشعراء قديماً وحديثاً، ولئن اختلفوا وأنفقوا على وسيلة إدراكها، فما ذلك إلا دليل كبير على الحيوية الإنسانية في الشعر العربي، والارتفاع بالنفس الخبيرة المجربة عن التقليد، فإذا كل واحد يختط سبيله إلى العلا حراً من كل قيد، مما يجعل للشخصية العربية الشاعرة أصالة وثقافة ممتازتين.
وليس أدل على هذا من عرض مواطن القوة عند شاعرين بينهما من الزمن ما يكاد يقارب الألف من السنين. وهما المتنبي والبارودي:
أما المتنبي فقد تشربت نفسه المعالي في كل أمر حتى لا يطالعنا من شعره بيت إلا بالمعاني الخالدة من مغامرة وسماحة وعلو همة وكبح جماح. يقول:
إذا غامرت في شرف مروم ... فلا تقنع بما دون النجوم