الفقراء من أفراد الشعب، بحيث لا يكون هناك غني ولا فقير، ولهذا فكل من أعتقد هذا يمني نفسه بذلك اليوم الذي تبسط فيه الشيوعية رواقها على بلاده، ليصبح سعيداً منعماً، بعد طول الكد والكفاح، والشقوة والنضال.!
ويسود هذا الرأي بين طبقات العمال بخاصة، أما أهل الريف فأكثرهم بمنجاة منه ولله الحمد، فلا يزال فيهم بقية من دين وإيمان، وصلاح وتقوى، يعصمهم كل أولئك من هذه العقائد، أو بمعنى أدق من هذه الأخطار، ولعل السبب في ذلك أنهم لم تتح لهم الفرص لاجتلاء غوامض هذه الموضوعات، ولا مبهمات مسائلها وأهدافها. .
وقد أتيحت الفرصة للمؤلف الكبير أن يطلع على الآراء والمذاهب الشيوعية في أمهات كتب الشيوعيين وغيرهم من مؤلفات الأجانب، كما اطلع على آراء فيلسوف الشرق، السيد جمال الدين الأفغاني عن الشيوعية في رسالته الخالدة (الرد على الدهريين) التي ترجمها من الفارسية إلى العربية الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده.
والكتاب مكون من مقدمة في خطر الأوهام الشيوعية، وأن الدسائس والأقاويل وما ينبغي عليها من وعود، هي التي مهدت لقادة الحركة الشيوعية الأولى في روسيا السبيل للاستيلاء على عقول الملايين من العمال والفلاحين، فانقادوا لهم، وانساقوا وراءهم، واستماتوا في الكفاح معهم لنيل ما قالوا أنه مرتع الحرية ومنبت النعيم، حتى تم لهم ما أرادوه في قرارة نفوسهم من قلب نظام الحكم في بلادهم والاستئثار بالسلطة فيها - وستة فصول: يتناول الفصل الأول منها نشأة الشيوعية الحديثة وظروف انتشارها في روسيا دون غيرها، وقد ساعد على رواج هذه المبادئ في روسيا تفشي الجهل وقتئذ بين الملايين من أهلها. واشتداد تذمرهم من الحكم القيصري الذي لم يكد التاريخ يرى أشد منه ظلماً وقسوة أو كبتا للحرية. . يتجلى ذلك في الحادثة المشهورة التي سبقت الثورة الروسية الأولى سنة ١٩٠٥ كما ذكرها تاريخ الحزب الشيوعي للاتحاد السوفييتي (البلشفيك) حينما أضرب العمال يوم ٣ يناير سنة ١٩٠٥ في مدينة بطرسبورج، فقررت الحكومة القضاء على الحركة بالقوة، ودست على الثوار قساً يدعى (جابون) فأفهمهم أن خير وسيلة لنيل مطالبهم أن يجتمعوا يوم ٩ يناير ويسيروا في موكب هادئ حاملين أعلام الكنيسة وصور القيصر إلى قصر الشتاء حيث يقدمون للقيصر عريضة بمطالبهم، وسار موكبهم صبيحة ذلك اليوم كما أراد