يوم فقد الأدب الغربي أحمد العاصي ومازال في شبابه، ممتلئ النفس، غض الجناح. . ولم يكد الأدب العربي يفيق من هول الصدمة، حتى تمزقت من تاريخ الشعر العربي صفحة كادت أن تكون أخلد صفحة فيه. . هناك. يوم أصبح الناس على صوت الناعي لينبئهم أن أبا القاسم الشابي قد كفنته أعوامه الخمسة والعشرين. وما يكاد الناس ينفضون عن أفئدتهم غبار الذهول، الذي عراهم حتى رأوا الأدب العربي يكاد ينفطر قلبه على فقيد جديد. . وكان الفقيد من السودان. . وكصاحبه أبي القاسم - لم يكن التيجاني يوسف بشير قد أتم في طريق العمر خمسة وعشرين عاما. . وتتولى الفجائع على رأس أدبنا المسكين، فلا يمضي عام إلا وهو يودع إلى شاطئ الأعراف محمد عبد المعطي الهمشري، ثم يتبعه إلى نفس النهاية فخري أبو سعود، ويليه فؤاد بليبل. وها نحن نرى أمامنا نجماً جديداً يخبو، وعلى صرخات الأنين من الأفئدة الحرى، والنفوس الملتاعة، نشيع في موكب الأحزان. . صالح علي شرنوبي.
لم يكد نوره يسطع على الدنيا فيلفت إليه الأنظار، حتى سقط في طرفه عين كالبرق الخالب، والسراب الكذوب. . إلا أنها قصة جديدة نستمعها من تاريخ أدبنا المعاصر. . وصفحة أخرى ريانة الصبا مياسة الجمال، يطويها هذا التاريخ ليحل محلها أخرى صفراء ذابلة، توحي إلى النفس بالأسى وتدفع إلى محاجرنا منهمر الدمع.
مضى صالح. . في رونق شبابه، فمضت معه شاعرية ناضجة وهي إثره جناح جبار، وانطوت بموته صفحة للفن الرفيع ما كانت لتقدر على طيها الأنوار والعواصف. . ولكنه الموت؛ ولكنه القدر، كانت روحه ألصق ما تكون بالفن، وكان الفن ألصق ما يكون بروحه. . كل ما عرفته عنه يتفق كل الاتفاق مع شخصيته الفنية، التي رسمتها له في ذهني إثر قراءتي المتتابعة له، إذ لم تتح لي الظروف أن أتصل به اتصالا مباشرا يتيح لي أن أعرف كل شيء عنه. . كان المرجع في رسم هذه الصورة في رأسي هو شعره، ثم بعض أصدقائه وزملائه الذين اتصلت بهم عن كثب وعرفت منهم بعض طباعه وخلائقه. . أول ظاهرة تلفت نظر الدارس في شخصية هذا الفنان هي الصدق. . الصدق في أجمل صورة، حيث يصدر عن طبيعة أصيلة، ولا أثر للتكلف ولا للصنعة فيه. . فهذا لا يخرج القصيدة إلى حيز الحياة إلا بعد تجربة نفسية تصهر فيها أحاسيسه ومشاعره. تجربة يعيش فيها