كما هو في نفس الفنان، وكما هو في أعماق الواقع - ولا أترك هذه القصيدة قبل أن أقف أمام هذه الأبيات:
وأنت يا زنجية الضمير ... تدرين قدري وترين نوري
فتجرين ضحكة المغرور ... أو ترتدين كفن المقبور
هازئة كالزمن المبهور ... من المثالي الفتى الطهور
قف أمام (زنجية الضمير). . فلعل هذا التعبير يكون المفتاح الصادق لكل وثبة من وثبات شعوره وقفزة من قفزات فنه، في القصيدة كلها. . إنه يخاطب زنجية الضمير. فعليه أن يفترق من منبع السخط عليها، كل لفظة تتناسب مع جو القصيدة العاصف، وكل حركة تتفق وموسيقاها الصاخبة. الصدق. . صدق الفنان. هو الظاهرة الأولى في شخصية صالح شرنوبي. . ويلي ذلك ظاهرة الانطلاق. . الانطلاق الحر الذي لا يقيده قيد ولا تحده حدود. . وهذا انطلاق الفني لا يتوفر إلا لكل شاعر جبار الجناحين، قادر على التحليق في الآفاق الواسعة، مكتمل الأداة، يعبر في حرية من فنه الذي لا يضيق به، ومن نفسه التي تتسع لزاد من الأحاسيس، لا يفنيه ضعف في الملكة أو همود في الطاقة، ترى ماذا أقصد بالانطلاق؟ الانطلاق في رأيي، هو أن يكون الفنان صاحب (نفس خاصة) ينظر بها إلى زوايا الحياة نظرة خاصة به وحده، ويتأثر تأثرا له خصائصه المنفردة، ومميزاته التي تهيأ للفنان شخصية لا تضيع في غمار الشخصيات الفنية الأخرى، ثم هو التعبير عن الإحساس بصدق بالغ مع التحلل من كل القيود التي تفرض من خارج النفس الفنان. . الانطلاق مجملا، هو كما يقول صالح نفسه في قصيدة (الشاعر):
شاعر الكون لا يقيده الكو ... ن وإن ضمه تراب وماء
ساحر النور والظلام، وكم يسمو. . فتفي في نوره الظلماء
قلبه العالم الكبير ونجوا ... هـ حنين ورحمة وإخاء
خلقه كالضياء في كل حال ... فهو في الحان والمصلى ضياء