ونسمع أحيانا من يعيب كتاب هذا الجيل لعدم عنايتهم باللغة والأسلوب، ويرد عليهم آخرون بأن المهم هو المعنى، ومعركة اللفظ والمعنى معركة قديمة، تثار من حين لآخر، ولاشك أن الذوق السليم يتطلب الجمال في كل شيء، فلماذا لا نطلبه في أسلوب الأدب ليكمل به جمال المعنى؟ وإذا اعتبرنا المعنى بمثابة الروح واللفظ بمثابة الجسد أفليس من الكمال أن يكون الروح الجميل؟ غير أنني لا أوافق القائلين بأن كتاب الجيل يهملون هذا الجانب في كتابتهم، فالجمال مسألة تتعلق بذوق العصر، فالفتاة العصرية - مثلا - تتبع في حليتها وتنسيق هندامها وثيابها غير ما كانت تصنعه الفتاة في العصور الماضية، وكذلك الأسلوب، فكما تركت الفتاة الأقراط الذهبية ذات الوزن الثقيل. وكما نبذت العقود ذات الأقراص المستديرة الكبيرة، وكما تحولت عن الألوان الزاهية الصارخة، كذلك فعل أدباء هذا الجيل، إذ جانبوا العبارات الطنانة والتراكيب الرنانة، ووجهوا همهم إلى الكلمة العذبة والأسلوب الأساس، أي أنهم يتجهون إلى البساطة واستخدام الكلام للوصول إلى الهدف، وليس معنى هذا أنهم أهملوا ناحية الجمال، وإنما هم يسيرون في اتجاه الذوق العصري العام الذي يؤثر جانب البساطة في كل شيء. ومما يلاحظ في هذا المقام أن أدباء الشباب جميعا متمسكون باللغة الفصيحة، لا نرى فيهم من يدعو إلى العامية، كما كان في الجيل الماضي من يدعو إليها، وكل ما في الأمر أنهم يريدون أن يطوعوها ويقربوا بينها وبين اللغة الدارجة برفع الدارجة إلى الفصيحة.
سيداتي وسادتي - لعلكم تلاحظون أنني إلى الآن قصرت الحديث على الكتابة، ولم أتعرض للشعر. إنني فعلت ذلك حقا لأن اتجاه الأدب إلى الحياة الواقعة في مصر إنما هو في ناحية الكتابة فقط، أما الشعر - على وجه الإجمال - فلم يتفضل بعد أن يأكل من طعام الناس ويمشي في أسواقهم.
ونرى أن الشعر المصري يسير الآن في اتجاهين: الأول إتباعي كلاسيكي، لا يزال أصحابه يقولون كما كان يقول القدماء، وينظرون إلى الأشياء كما كانوا ينظرون، وقد وصف أحد الظرفاء هذا الفريق من الشعراء بأنهم (شعراء الفنادق)، يستقبلون القادمين، ويودعون الراحلين، وتظهر على وجوههم دلائل مختلفة ليس فيها ما يدل على حقيقة ما يعتلج في نفوسهم. والاتجاه الثاني اتجاه خيالي فردي، وهو اتجاه المدرسة الحديثة، لا تزال