وقصد بعض الكتاب إلى الأدب الخفيف اللذيذ الخالي مما يفيد، أو الأدب الماجن الذي يشبه الصورة العارية، وكثيرا ما يرافقها، وذلك ليجتذبوا القراء، وانجذب القراء إليهم فعلا، فتخدروا حينا، ثم أفاقوا أو أخذوا يفيقون.
سادت الكتابة الخفيفة الفارغة والماجنة بعض السنوات في أعقاب الحرب، ولكن جاذبيتها أخذت تتضاءل بعد ذلك حتى كادت تمحى وأصبحنا نرى في السنوات الأخيرة كتابات تتجه إلى الشعب وتتناول مسائله ومشكلاته، تراها في الصحف وفي الكتب، وترى الناس يقبلون على قراءتها ويستزيدون منها، والذي يسترعي النظر أنك إذا ذكرت كلمة الأدب أمام بعض هؤلاء الكتاب أو أمام الذين يقرؤون لهم، بدا عليهم عدم الاكتراث، كأنهم يقولون: دعنا في حالنا! مالنا وللأدب. . وهم معذورون في ذلك، لأن تحليق المحلقين من الأدباء في عالم الكواكب والنجوم قد جنى على المفهوم العام للأدب، وصار كثير من الناس لا يفهمونه إلا على أنه مناقشة في الكلاسيكية والرمزية أو معركة على نسبة من الشعر إلى المتنبي أو أبي تمام!
وعلى ذلك أستطيع أن أقول إن الأدب الحديث في مصر يتجه الآن إلى الواقعية التي تهدف إلى صميم الشعب على أيدي كتاب من الشباب ومن الشيوخ أيضا، يوجههم القراء الذين يزداد عددهم يوما بعد يوم، وهذا الاتجاه لا يزال في أوائله، وهو بطبيعة الحال سيزداد كلما انتشر التعليم وزاد عدد القراء من سواد الناس.
وأرى أن هذا الاتجاه لو يرد إلينا من الخارج، أن كان مصاحبا لأشباهه في البلاد الأخرى، وإنما هو وعي جديد مستمد من داخل النفوس. وقد حاول بعض الأدباء أن يستوردوا مذاهب أوروبية كالوجودية والرمزية والسريالية، ولكن أحدا لم يلق باله إليهم.
ذلك هو الاتجاه، وهو كما قلت شيء آخر غير قيمة الإنتاج في ذاته، ولا شك أن فيما يكتب كثيرا من الجيد الرائع، وفيه أيضا كثيرا مما تدفع إليه العجلة وحب الإكثار وابتغاء الكسب، وفيه مع هذا وذاك كثير من الهذر والإسفاف.
وإني متفائل بمستقبل الأدب في مصر، لثقتي بهذا الشعب الذي يتعلم فيكثر فيه القراء الذين سيوجهون الأدب ويحملون الأدباء على الإجادة بالإقبال عليهم، وبالتنبيه إلى قيمة ما يكتبون.