وأخيراً وقف معالي المصري العظيم الدكتور محمد صلاح الدين باشا وقال:(إن هذه الأيدي التي مدت لمعاونة الحكومة هي الدليل الحق على أن المصريين يعرفون كيف يوحدون صفوفهم، وإذا وحدت الصفوف في البرلمان توحدت صفوف الأمة كلها).
هذا ما كان من الأمر في داخل مجلس النواب، ولم تكن حماسة الشيوخ ولا ابتهاجهم بتحرير مصر أقل من حماسة النواب وابتهاجهم.
أما في خارج البرلمان فقد هرع المصريون إلى المذياع ليستمعوا إلى بيان رئيس الحكومة، وقد هزهم البيان فعانق بعضهم بعضاً بعضا والتهبت أيديهم بالتصفيق وانطلقت ألسنتهم تهتف بالحياة الحرة للدولة المصرية السودانية، ولملكها المفدى فاروق، وقامت المظاهرات في مساء الاثنين وفي أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس، وانهالت برقيات التهاني على رفعة رئيس الحكومة من جميع الطوائف والهيئات.
ووقفت الدول العربية بجانب شقيقتها الكبرى وأعلنت تأييدها لها ومؤازرتها.
أما الدول الغربية: إنجلترا وأمريكا وفرنسا فقد وقفت تعترض على القرار واستهجنت خطة مصر، وهذا أمر طبيعي فإن الغاصب لن ينزل عما اغتصبه بمحض إرادته. إن الحقوق والحريات تؤخذ ولا تعطى، ومصر قد قدرت كل شيء. وأعدت عدتها للجهاد والنضال، ولن تستطيع قوة أن تحول بينها وبين حريتها ووحدة واديها، وهذه هي بداية الكفاح والجهاد.
الليلة والبارحة:
هذا هو يوم ٨ أكتوبر ١٩٥١، وهذه هي مكانته في تاريخ مصر، وإن مصر إذا تلفتت إلى ماضيها القريب تبحث عن خير أيامها الخالدة لوجدته ماثلاً في يوم ١٣ نوفمبر ١٩١٨ فإن هذا اليوم كان بدءاً لثورتها الخالدة المعروفة بثورة سنة ١٩١٩.
وجدير بنا نحن المصريين أن نهتم اهتماماً كبيراً بدراسة هذه الثورة لأمور ثلاثة:
أولها: إن الواجب على كل أمة أن تعنى بتاريخها عناية كبرى إذا أرادت لنفسها بقاء ومجداً. وأعتقد أنه يحب عليها أن تعنى بدراسة تاريخها المعاصر عناية خاصة لأنه من غير شك يؤثر في حاضرها وفي مستقبلها، والثورة المصرية سنة ١٩١٩ هي من غير شك