وثانيهما: إن كثيرين من أبناء مصر المعاصرين قد ولدوا إبان الثورة أو بعدها ولم يشهدوها، ولهذا قصدت إلى أن أضع أمام أعينهم صورة رائعة لجهاد آبائهم في سبيل تحرير بلادهم وصفحة بيضاء مطهرة من صحف مصر المعاصرة، وإذا أردنا لمصر حياة حرة كريمة فعلينا أن نكون أمة مجاهدة وهذا هو جهاد الآباء، فليحمل الأبناء اللواء فإن هذا هو الطريق الوحيد اللائق بها بين الأمم.
وثالثها: إنني معجب حقاً لموقف مصر وبالمصريين في تلك الفترة من التاريخ، فقد وقفت مصر صفاً واحداً وكتلة واحدة تطلب استقلالها، وقد كان يتزعم تلك الحركة الوطنية المباركة رجال جدير بمصر أن تفخر بهم على مر الأيام وكر السنين وهم سعد زغلول وعبد العزيز فهمي وعدلي يكن وعبد الخالق ثروت وحسين رشدي وغيرهم، هؤلاء الرجال كتبوا بأعمالهم أسمائهم في سجل الخلد:
وليس الخلد مرتبة تلقى ... وتؤخذ من شفاه الجاهلينا
ولكن منتهى هم كبار ... إذا ذهبت مصادرها بقينا
وآثار الرجال إذا تناهت ... إلى التاريخ خير الحاكمينا
١٣ نوفمبر ١٩١٨:
في ١٤ سبتمبر ١٨٨٢ احتلت بريطانيا مصر، ورغم أنها أعلنت منذ الساعة الأولى عزمها على الجلاء بمجرد استقرار الحالة في مصر فإنها حتى هذه الساعة لم تف بوعد من وعودها بالجلاء التي بلغ عددها خمسة وستين وعداً.
منذ ذلك التاريخ فقدت مصر استقلالها، وعانت بريطانيا في واديها إثماً وعدواناً وفساداً، وقد قاومت مصر هذا العدوان الآثم ما استطاعت ولم تقبله بتاتاً، وكان الزعيم الأول الذي رفع راية الجهاد مصطفى كامل باشا، وسقط مصطفى كامل شهيد الواجب في فجر الشباب فحمل الراية بعده الوطني الغيور محمد بك فريد.
ولم تأل إنجلترا جهداً منذ الساعة الأولى في تثبيت أقدام الاحتلال فاعتدت على سلطة خديو مصر الشاب الخديو عباس الثاني وأذلته أكثر من مرة، وأذاقت المصريين ألوان الهوان والعذاب، وما يوم دنشواي ببعيد عن الأذهان. ثم اضطهدت زعماء الجهاد الوطنيين