٣٥١، وإن حوت نظرة أولى عن مقامه بمصر وبعض أيامه بها.
الذي نعرفه هو أن المتنبي جاء مصر وعاش في كنف كافور الإخشيدي سنوات وقال الشعر: فأين كان مقامه وكيف عاش وكيف أقضي وقته ومن عاشر من الناس؟
كلها أمور تحتاج إلى بحث وتدقيق وتأمل، وليست موضع استنتاج أو رجم بالغيب كما يلجأ بعض المؤلفين المعاصرين، لأنها ليست بالسهولة التي يتصورونها عليها، فإذا لم تسعفنا النصوص والمراجع، وإلى أن تكتشف غوامضها، لا يسعنا أن نحكم حكماً متسرعاً، وإنما نكتفي بإيراد ما نعلمه عنها، وليس لدي شيء أقدمه سوى نظرة أولى عن بعض الأماكن التي ورد ذكرها في أيام إقامته بمصر.
ولم تكن القاهرة قد أنشئت بعد، فكانت الفسطاط هي مصر، وكانت حياة الشعب مركزة حول جامع عمرو، أي الجامع العتيق كما كان يطلق عليه وقتئذ، وكانت جزيرة الروضة أمام الفسطاط: يراها الجالس أمام الجامع ويرى في اتجاهها على الضفة الأخرى للنيل حصن الجيزة الذي أنشأه العرب عند الفتح، والذي تهدم بعد ذلك فعمره أحمد بن طولون مدة ولايته، كان هذا الحصن قائماً أيام المتنبي لأن كافوراً الإخشيدي جدد بناءه وعمره وحفر حوله خندقاً، أنه كان يخشى المغرب وأهله. . .
وكان الحصن ملاصقاً لمسجد همذان وهي إحدى القبائل التي نزلت بالجيزة أيام الفتح، وسكان الجيزة من خلاصة عرب اليمن ولا أعرف لهم نسباً آخر غير هذا.
فهذا كان المنظر الذي يواجه من يخرج من باب المسجد العتيق، ولا نعلم كما قلنا الأماكن التي نزل فيها المتنبي، وإن كان جاء ذكر دار أخلاها له كافور بالفسطاط وأنه وكل به من يخدمه ويسهر عليه، ولا أجزم بأنها كانت بعيدة عن مسجد عمرو.
وبدأ مدائحه في سنة ٣٤٦ ولم يأت في شعره بشيء عن حياته التي كان يحياها ولا الأماكن التي ارتادها ولا عمن كان معه من الأهل والعبيد والخدم، وإنما جاء ذكر شعره، والجامع الأعلى ويقصد به مسجد ابن طولون، والدار التي بناها كافور وسكنها جاء ذكرها على مرتين في ٣٤٦ و٣٤٧ هجرية.
وبرغم الجهود التي بذلت أخيراً في الكشف عن تاريخ الدولة الإخشيدية، لا تزال هذه الحقبة من الزمن في حاجة إلى مراجع أوسع مما لدينا، لأن ما وصل إلينا عن حياة كافور