الخاصة وما كان يسود البلاد المصرية من أحوال سياسية لا يزال موضع التساؤل، فإن احتفاظ مصر بموقفها الاستقلالي بين الدولة العباسية وقوة الفاطميين ودفاعها عن أملاكها من أرضي الشام، أمور غامضة إن دلت على شيء فإن هذا الشيء هو عبقرية كافور وحده. . . الذي استمر يسيطر على دولة إسلامية واسعة الأطراف بدليل قول أبي الطيب.
يدير الملك من مصر إلى عدن ... إلى العراق فأرض الروم فالنوب
وإذا نظرنا لشعر المتنبي وجدناه لا يتعرض لأي ناحية سياسية بالذات وإن جاء ذكر أبي شجاع فأنك أحد قواد الإخشيديين وما كان يؤمله فيه. ويظهر أن المتنبي كانت له رسالة خاصة في مصر كما سيظهر ذلك، ولذا تحاشى جهده أن يظهر في شعره بعض ما يمكنه من الاهتمام بها، واكتفى بالمدائح والشكوى ولإخفاء غرضه من المجيء إليها.
والذي أستخلصه من عصره هو أن الجامع الطولوني أنشئ على ربوة جبل يشكر، (كان يطل على بركة قارون التي كانت تتصل أيام الفيضان ببركة الفيل، وكان الواقف على جبل يشكر أو على مئذنة ابن طولون يكتشف الجيزة ويرى الأهرام وينظر إلى مباني الفسطاط ذات الطبقات العالية، وقد جاء في ديوانه ذكر الدار التي كان يسكن فيها كافور، أشار إليها بمناسبة خروج كافور هارباً منها، أو في أيام يسيرة مات له حول الخمسين غلاماً ففزع من الدار واستوحش منها، ويظهر أنه منذ أن سقطت دولة آل طولون لم يكن بمصر دار تصلح لسكنى الملوك، لأن دار الإمارة التي نزلها أحمد بن طولون ولها بقايا لم تكن جديرة به، ولذا أنشأ القصور الكبيرة التي هدمت بعد سقوط دولته، ولما جاء كافور أصلح داراً كانت لأحمد بن طولون وسكنها، فمدحه المتنبي في سنة ٣٤٧ بقوله:
أحق دار بأن تدعى مباركة ... دار مباركة الملك الذي فيها
ويذكر الديوان أن أبا الطيب مدح كافوراً في عام ٣٤٦ ما بنى بجوار المسجد الأعلى - أي مسجد ابن طولون - داراً فهنأه الناس بها، ولما تحول إليها قال:
نزلت إذ نزلتها الدار في أح - سن منها من السنا والسناء
حل في منبت الرياحين منها ... منبت المكرمات والآلاء
وليس من شك في أن الدار التي جاء ذكرها سنة ٣٤٦ هي التي أنشأها كافور، وأن التي جاء ذكرها في ٣٤٧ هي التي عمرها، وهناك إجماع على أنها لم تكن لأحمد بن طولون