كثير من الأحيان. . إنك تهاجم الشيوخ، وتتنكر لهم، ولا تكاد تعترف بوجودهم، ومع ذلك فما أكثر ما واجهت الجمهور القارئ مستنداً إلى ذراع أحدهم لتستطيع في ميدان الأدب أن تقف على قدميك، حتى لقد كنت تحرص كل الحرص على أن تضع اسمه على كتبك متبوعاً باسمك، لتضمن لتلك الكتب شيئاً من الذيوع والانتشار. . لو كنت ثائراً قادراً لواجهت جمهورك القارئ دائماً وعلى فمك هذه العبارة: هاأنذا وحدي! ولكنك كنت الثائر العاجز الذي طالما واجهت الجمهور قائلاً له: هاأنذا. . مع أحمد أمين! آه من هذه العبودية التي تسري في دمك وتتخيل أنها من صفات غيرك، وآه من تلك الذلة التي ترسب في أعماقك وتتوهم أنه من سمات الآخرين!
إنني يا صديقي لست مثلك عبداً من العبيد، لأنني أومن بنفسي إلى أبعد حدود الإيمان. وإن الحرية لتلهب مني دماء القلب وعصارة الفكر ومداد القلم! أومن بنفسي إلى الحد الذي أشعر معه بأن كل كلمة أكتبها ستشق طريقها إلى النفوس والعقول، وستأخذ نصيبها من رضا الأقلام وثقة القراء. . ولست من طرازك حين تقول لأحد قرائك في العدد (٦٦٧) من الثقافة. (أما أنك لم تكن قد سمعت صوتي بعد، فذلك ما لا أعجب له، لأني لم أكتب سطراً واحداً منذ بدأت الكتابة وأنا على يقين من أنه سيلتقي بعيني قارئ، فإن صرير قلمي - كما قلت في مقدمة كتابي أدب المقالة - لا يكاد يبلغ سمع صاحبه)!
إنني لا أطيق أن أواجه قرائي بمثل هذه الكلمات، لأنني أشعر شعوراً عميقاً أن الإيمان بالنفس - ذلك الإيمان الذي لا يبلغ حد الغرور - هو أول دعامة من دعائم النجاح. . كيف تصفني يا صديقي بعد ذلك بأنني مثلكم جميعاً عبد من العبيد، أولئك الذين يقنعون بفتات الموائد قناعة الأذلاء؟! إنني لأتحداك أن تذكر لي اسماً واحداً من أسماء الشيوخ قد أخذ بيدي في دنيا الأدب أو قدمني يوماً إلى القراء، وإن كتابي ليتحداك أن تثبت للناس أن فصلاً من فصوله الباحثة أو الناقدة قد كتب دون أن يحمل بين طياته رأياً جديداً، أو فكرة مبتكرة، أو تصحيحاً لوضع من الأوضاع الزائفة في محيط الأدب والنقد هنا وهناك، أو أنه يقتفي خطوات غيره في منهج التفكير وطريقة التعبير. . وعليك أن تقبل التحدي إذا كنت جاداً في ذلك (الكلام) الذي طالعت به الناس على صفحات (الثقافة)، ومعذرة إذا قلت (الكلام) ولم أقل (النقد)، لأن بين النقد والكلام فروقاً يعرفها الأدباء!!