ثم تقول عن كتابي إنه مجموعة مقالات، وإن المقالة في الأعم الأغلب حيلة العاجز، حيلة من لا يسعفه الخيال القوي والخلق البديع؟! صدقني إن الكلمات لا تستطيع أن تعبر عن أسفي حين أنظر إلى فهم الأستاذ (الجامعي) لحقيقة الأدب وجوهر الفن، فأراه وقد انتهى إلى مثل هذا الرأي العجيب! من قال لك إن الأدب الحق يقاس بالكم وإن الفن الأصيل يوزن بعدد الصفحات؟ أتريد أن تنكر أدب المقالة لأن الحيز الذي تشغله صغير، وألا تعترف بغير أدب البحث لأن الحيز الذي يشغله كبير؟ ما أحوجنا إذن إلى موازين التجار لنزن الأدب والفن بالرطل والقنطار. . إن المسألة يا سيدي ليست مسألة مقالة ولا مسألة كتاب، وإنما هي مسألة الفكرة المبتكرة التي تغير وضعاً من أوضاع الأدب أو تقيم الدراسة على أساس جديد، سواء أكانت تلك الفكرة موزعة على ثلاث صفحات تنتج المقالة، أم كانت موزعة على مائتي صفحة تنتج الكتاب، وزدها إلى الألف إذا شئت فلن تقدم أو تؤخر في حقيقة هذا التقدير!!
وتسألني ماذا كنت أكتب لو لم يخلق الله برناردشو، ولورد بايرون، ومدام ريكامبيه، وتوفيق الحكيم، والمازني، ولن بوتانج، وبيكاسو، وأوسكار وايلد؟! اسمح لي أن أقول لك إن هذا السؤال مضحك ومقلق. . ترى هل نسيت أن وظيفتي الفنية هي النقد، وأنني مسئول بحكم هذه الوظيفة أن أكتب عن هؤلاء؟ لقد بقي عليك أن تسأل الفلاح ماذا كان يفعل لو لم يخلق الله الأرض؟ فإذا أجابك بأنه سيعمل بحاراً سألته مرة أخرى وماذا كان يفعل لو لم يخلق الله البحر؟! نعم وهذا هو المنطق. . المنطق الذي يطالعنا به صاحب (المنطق الوضعي) في ثقة واطمئنان!!
إنني أخشى أن أقول لمنطقك في معرض الجواب: لو لم يخلق الله هؤلاء لقدمت إليك (مذهب الأداء النفسي) في نقد الفنون عامة ونقد الشعر على الأخص، وهو المذهب الذي سأسجل به أول محاولة مذهبية في الأدب المصري، في كتابي المقبل الذي سيكون (بحثاً) لا مجموعة مقالات. . أخشى أن أقول لمنطقك هذا فيقول لي منطقك: وماذا كنت تكتب لو لم يخلق الله الشعر وبقية الفنون؟!
صدقني مرة رابعة أو خامسة أنني لا أريد أن أنال منك بشيء من السخرية أو بشيء من التجريح، وإنما أردت أن أقول للقراء إن سؤالك هذا مضحك ومقلق. . مضحك لأنه أقرب