للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حين يدعو الأمر إلى الانفعال والثورة.

ولنسمع له حين يتحدث (٨٥ - ٨٦) عن الذين يقومون بما أمر الله من شعائر لا تكلفهم شيئاً من المال، فإذا جاء من يطالبهم ببعض ما عليهم للفقير ولوا فرارا:

(وترى الرجل منهم وهو يمشي على الذهب، ويتبختر ويختال بين الحرير والفراش الوثير، ويبعثر الأموال لإشباع الشهوات الدنيا، ومع ذلك يضن بالمال اليسير على البائس الفقير؛ وإذا ما حاولت أن تستصرخ همته الوانية نحو إغاثة المعوزين، أجابك في تبجيح واستهتار (وما من دابة إلا على الله رزقها) وكأنما يظن أولئك السفهاء أن الله سينزل على الفقراء مائدة من السماء! فيا للعجب، ويا لله لهذا المنطق السقيم والطبع الخبيث اللئيم!).

ونرى الكاتب الثائر في أمثال هذا الموطن، يعود إلى طبعه من الأناة والتريث والهدوء حين يتناول موضوعاً من الموضوعات التاريخية، فيبحثه من أصوله بحث العالم العميق النظرة، ومن باب التمثيل لهذا، نذكر من حديثه عن توزيع العطاء بين المسلمين في عهد الرسول والخلفاء الراشدين (ص٧٦ وما بعدها) إشارته إلى نظرية أبي بكر في التسوية بين المسلمين جميعاً، ورده على من كان يؤثر تفضيل أهل الفضل والسابقة في الإسلام بقوله:

(أما ما ذكرتم بين الفضل والسوابق والقدم، فما اعرفني بذلك، وغنما ذلك شيء ثوابه على الله جل ثناؤه. وهذا معاش، فالأسوة فيه خير من الأثرة)، ثم يعقب بنظرية الفاروق التي تقوم على تفضيل أهل السابقة في الإسلام، وفي هذا يقول قولته المأثورة: (لا أجعل من قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كمن قاتل معه)، وقد سار على هذه النظرية عثمان وعلي بعد الفاروق رضوان الله عليهم أجمعين.

على أني بعد هذا كله، أختلف تماماً مع الأستاذ الكاتب في بعض ما ذكره في موضوع: بين العلماء والملوك ص٩١ وما بعدها، إنه يقرر أن علماء الدين ورجاله قائمون حق القيام بما عليهم، ما داموا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فيما يكتبون ويتحدثون؛ وما داموا ليس لهم شيء من السلطان التشريعي والتنفيذي. لا، يا أخي!

يستطيع العلماء ورجال الدين أن يغيروا إلى حد كبير جداً مما نحن عليه من آثام دينية ومظالم اجتماعية؛ لو تجردوا من طلب الدنيا وآثروا ما عند الله على ما عند أولي الأمر وأصحاب الجاه من الدنيا وزينتها؛ ولنا فيما صنع ويصنع آية الله الكاشاني في إيران دليل

<<  <  ج:
ص:  >  >>